قمة لإسقاط الأقنعة!

TT

معظم التصريحات الصادرة في الفترة الاخيرة، تنص على ان القمة العربية، المقرر عقدها في بيروت يومي 27 و28 الشهر الجاري، تمثل آخر فرصة، يمنحها العرب لاسرائيل، من اجل السلام.

وبالرغم من بعض الغوغائية، التي تلحظ في ظاهر هذه التصريحات، الا ان المتأمل في منطقها الداخلي، سيتوصل الى جملة من الاستنتاجات، وقبلها سيتمكن منه معطى سياسي واقعي، لا مفر من الاشارة اليه حتى ولو تعارض مع بعض انتظارات الساسة العرب.

والمعطى المشار اليه، يتمثل في ان اسرائيل، مع الأسف الشديد غير معنية بالسلام، ومثل هذه الحقيقة لا تتطلب منا جهدا لاستيعابها، او لتجرع مرارتها، بالرغم من اننا منذ معاهدة كامب ديفيد للسلام، التي امضى عليها الراحل انور السادات، ونحن نمنح الفرصة تلو الاخرى، وكأن اسرائيل التي نقصدها، هي غير اسرائيل القائمة في ارض الفلسطينيين المغتصبة.

بل ان التجربة، التي عاشها العرب مع اسرائيل، بينت، ان لاسرائيل مفهوما خاصا وغريبا للسلام، لا علاقة له بالمعنى اللغوي والاصطلاحي للسلام في قواميس لغات العالم. بالاضافة الى ان المشروع الصهيوني، منذ مؤتمر هرتزل يهدف الى ابادة الفلسطينيين، وتهجيرهم. بمعنى ان السلام الذي تفهمه اسرائيل وتريده، هو ذلك الذي يعني زوال الانسان الفلسطيني، من الحدود التي تسعى لاقامتها. وفي الحقيقة، السياسة الاسرائيلية كانت وما زالت، متمسكة بالوضوح وبالصراحة القصوى، في ما يخص نواياها، ومشاريعها، ولم تخف عن العالم اي قطرة كراهية تكنها لفلسطين وللعالم العربي الاسلامي.

وحتى خطة السلام السعودية، التي وضعت السلام فوق كل اعتبار، فان ارتفاع عدد الشهداء، خلال الاسابيع الاخيرة، يؤكد بأن شارون غير معني بما جاء في خطة السلام، اي انها لا تتماشى وحجم الطموحات الاسرائيلية، ولا مع مقام «شعب الله المختار»! لذلك فان خطة السلام السعودية، التي تضمنت اعتراف الدول العربية باسرائيل مقابل انسحابها من الاراضي العربية المحتلة الى خطوط 67 وذلك قبيل مؤتمر القمة العربية، قد اجاب عنها شارون بكل ما يملك من قدرة على الصراخ الوحشي، فوصلت لنا الرسائل ملفوفة بالدماء والانتهاكات.

ومثل هذا الموقف، لا يعني ان القمة المنتظرة قد انتفت عنها كل شروط الفرصة، بل انه من الضروري ان تتحول الى فرصة للعرب، كي يحفظوا ما تبقى من ماء الوجه. انها فرصة للتفكير في كيفية توفير حماية عربية للفلسطينيين، الذين يموتون كالذباب المنبوذ، وذلك من خلال اقرار موقف عربي موحد، يتجاوز الخلافات الضيقة، والمكر السياسي العربي المعروف، وديبلوماسية الأقنعة، التي باتت لا تؤتي اكلها، ولا تغني من يعتقد فيها. ولا شك ان التوصل، الى موقف موحد وشجاع ليس بالأمر الهين، في ظل وضع سياسي عربي مقبوض عليه، من شتى المناطق الحساسة، ولكن وقفة عربية واحدة، نقارن فيها بين ما سنخسره لو تمسكنا بحقوقنا التاريخية المغتصبة، وبين ما نعيشه الآن من ذل واهانة ودونية، ستنتهي بنا الى انه، لا فرق يذكر بين الوضعيتين سوى اننا سنغمر بنشوة الانتصار المعنوي، وسيتحرك فينا الضمير الميت مستعيدا روحه من جليد الرفات.

ومن جهة اخرى، من الاهمية الاشارة الى ان اعتراف بعض الساسة العرب بأن هذه القمة هي الفرصة الاخيرة للسلام بالنسبة الى اسرائيل، يفرض عليهم التفكير في البديل المقابل، في صورة رفض اسرائيل لهذه الفرصة، وهي صورة تتأكد اجزاؤها يوما بعد يوم، ولا ندري لماذا غضب الامين العام للجامعة العربية، السيد عمرو موسى، عندما سأله احد الصحافيين عن الاجراءات التي يمكن للعرب اتخاذها، اذا رفضت اسرائيل الخطة السعودية، خاصة ان السياسة لا تقوم على فرضية واحدة ولا على امكانية واحدة. ومثل هذا السؤال الذي اغضب الامين العام، هو في الحقيقة مربط الفرس، ومكمن الداء، بل هو جدول الاعمال الحقيقي.

اعتقد ان هذه القمة، قمتنا نحن، ويجب ان تكون فرصتنا الحقيقية، لانهاء النزيف الفلسطيني، الذي يوجع الجسد العربي، بل ان اتخاذ موقف شجاع، والتمسك بنبرة الواثق، سيكون لصالح الدول العربية ككل، اذ ان فلسطين ليست وحدها ارض الميعاد الاسرائيلية، بل كل الخريطة العربية، موعود بها، الطفل المدلل لأميركا، اسرائيل.

ولعل الدفاع عن حق المقاومة، والتشبث به، هو من اهم النقاط المطلوب النطق بها بصريح العبارة، حتى لا يأتي علينا يوم يقطع فيه العرب ايديهم على اثر الولادة كي تستريح اسرائيل وتطمئن وتتأكد من ان العرب فقدوا كل الأيادي التي بحوزة اجسادهم ولن يستطيعوا مسك حجارة، او معانقة بندقية! هذا بالاضافة الى ان الشعب الفلسطيني وكذلك الشعوب العربية، لن تضمد جراحها، الموافقة على التوصية، التي اقرها اجتماع وزراء الخارجية العرب، والتي تنص على صرف 55 مليون دولار شهريا للسلطة الفلسطينية، مع توجيه الدعوة للدول العربية لتقديم 150 مليون دولار دعما اضافيا لصندوق القدس.

ان الشعوب العربية، في حاجة الى موقف عملي وشجاع وتاريخي، ينظر في مصير القدس، وليست توصيات تنعش صندوق القدس بالدولارات، وبعد كل هذا التاريخ من الانفاق ومن المساعدات العربية الضخمة، تبين ان الاراضي الفلسطينية، لا يفك اسرها الدولار بل هي ككل الاراضي المحتلة، تحتاج الى مناضلين، والى شهداء، والى مناصرة حقيقية من اخوة في الثقافة، وفي الدين، وفي اللغة، وحتى في الحزن.

ومثل هذه المناصرة، تقتضي ان تعلن القمة عن قرارات حقيقية، توحي بأن الجثة العربية قد قررت الحياة، وذلك لن يتسنى بلوغه، بتوصيات شبيهة بما سبق من نوع الادانة، والحث والاعراب عن القلق، وكل تلك التوصيات الصالونية، التي لا تفعل شيئا غير رفع ضغط دم الشعوب العربية، والقذف بها في نفق اليأس من جديد، لنعود كالعادة لنصطف امام شاشات التلفزيونات، لنشاهد عن طريق النقل المباشر مواكب دفن شباب فلسطين واطفالها.

كاتبة وشاعرة تونسية [email protected]