فرصة عادلة لممارسة طريقهم في الخروج من مأزق الفقر

TT

في المناطق الريفية في بنغلاديش، تتزوج معظم الفتيات في سن مبكرة جدا، ليس لانهن يرغبن بذلك، بل لان عوائلهن لا تستطيع ان ترسلهن الى المدارس. وفي بعض المناطق ـ مثل نارشينجدي ـ يتغير هذا الوضع. فقد زاد تسجيل الفتيات في المدارس الثانوية، هناك، على الضعف، وفي فترة ثلاث سنوات انخفضت نسبة النساء المتزوجات في عمر يتراوح ما بين سن 13 الى 15 سنة، من 29 الى 14.

وتصبح العوائل اقل عددا، ويعمل المزيد من النساء بأجور اعلى. وستصل الاعانات الاجتماعية الى عدد اكبر من الفتيات. وستشتمل هذه المزايا على معدلات ولادة ادنى، وخبرات صحية افضل، وعدد اقل في وفيات الاطفال، وقوة عمل اكثر انتاجية.

فما الذي ادى الى هذا التغيير؟ انها الاموال. فمنذ عام 1993 تتلقى الفتيات، اللواتي يلتحقن بالمدرسة الثانوية، اعانات ضئيلة، بينما تتلقى المدارس مساعدة تخص اجور التعليم. ومن المقرر ان يتوسع البرنامج الرائد، الذي ترعاه بنغلاديش، ويموله البنك الدولي، لتشمل فوائده ما يصل الى 45،1 مليون فتاة.

وتلك هي التنمية، فهذا ليس شيئا مجردا، انه تغير حقيقي في حياة اناس حقيقيين، متعطشين الى تحسين ظروفهم الحياتية، اذا ما توفرت لهم فرصة حقيقية للقيام بذلك.

وفي الوقت الحالي، يحرم كثيرون من هذه الفرصة. فهناك ما يزيد على مليار شخص يذهبون الى النوم كل ليلة وهم يشعرون بالجوع، ولا يتوفر لهم الماء الذي يستطيعون شربه دون مخاطر الاصابة بامراض مهلكة. وتعني التنمية تمكين مثل هؤلاء الناس، وملياري شخص آخرين، هم ليسوا افضل من هؤلاء الا بهامش بسيط، من تحقيق حياة افضل.

وقبل ثمانية عشر شهرا اتفق زعماء العالم السياسيون، في قمة الالفية، التي انعقدت في نيويورك، على ان نكرس الخمسة عشر عاما الاولى من القرن الجديد لمعالجة جادة للفقر والجهل والمرض، وحددوا اهدافا واضحة تمثلت في برنامج «اهداف التنمية الالفية».

ويجتمع اكثر من 50 رئيس دولة وحكومة، فضلا عن وزراء وقادة مشاريع ورؤساء مؤسسات وممثلي مجموعات لا تهدف الى الارباح، في مونتيري، بالمكسيك، الاسبوع الحالي، لمناقشة تمويل التنمية. ويعتمد مصير ملايين الناس علينا في الحصول على هذا الحق.

وسيكون زعماء من الدول النامية هنال ايضا، لا بصفتهم متضرعين وانما مشاركين.

انهم في عملية تبن لسياسات سليمة لتشجيع الاستثمار الخاص من مواطنيهم ومن الخارج. وهم يعرفون انه يتعين عليهم اغتنام فرص السوق، وضمان الاستقرار الاقتصادي، وجمع الضرائب بطريقة شفافة ومسؤولة، ومكافحة الفساد، ودعم حكم القانون، وحماية حقوق الملكية.

وما يطلبونه هو فرصة عادلة لممارسة طريقتهم في الخروج من مأزق الفقر، دون الاضطرار الى مواجهة التعرفات والحصص، او منافسة المنتجات المدعومة ماليا من الدول الغنية. ويطالب الكثير من هذه الدول، ايضا، بالاعفاء من الديون التي لا تطاق. ويقول كثير من هذه الدول انها من اجل تحقيق التحول الشامل الى اقتصادات مستقرة ومنفتحة، فانها تحتاج الى المزيد من مساعدات الدول الاغنى.

وحتى فترة متأخرة كانت ردود فعل معظم الدول المتقدمة تتميز بالارتياب تجاه هذا الطلب، والشعور بان الكثير من المساعدات قد جرى تبديده في العقود الماضية، بسبب الفساد او الحكومات غير الكفوءة.

وفي فترة الحرب الباردة، استخدم الاتحاد السوفياتي ودول الغرب الاغنى المساعدات، أساسا، للحصول على الولاء. وكان الفساد والتبذير ـ والنتائج الناجمة عنهما ـ ثانويين بالنسبة الى ما كانت معظم الدول المانحة تريده، وبالذات الولاء السياسي. وجعل ذلك السجل المقلق من السهل الهجوم على المساعدة الاجنبية باعتبارها وسيلة تنمية عاجزة.

وفي عصر ما بعد الحرب الباردة بدأت الدول المتقدمة تدرك اننا نعيش في عالم واحد لا عالمين، ولا يمكن لامرئ في هذا العالم ان يشعر بالارتياح، بينما يكون نصيب كثيرين المعاناة والحرمان. واذ بدأ العالم المتقدم يقيم الكثير من المخاطر التي يطرحها الركود الاقتصادي، حتى عندما يكون بعيدا جغرافيا، بدأت الدول الفقيرة تدرك قيمة الاسواق المفتوحة بالنسبة لآفاق تطورها.

هناك اتفاق عالمي جديد مطروح على الطاولة: عندما تقوم الدول النامية بمكافحة الفساد، وتعزيز مؤسساتها، وتبني سياسات السوق، واحترام حقوق الانسان وحكم القانون، وتوسيع الإنفاق على حاجات الفقراء فان الدول الغنية يمكن ان تساعدها في التجارة، والاستثمار، والاعفاء من الديون.، وفي يوم الخميس الماضي اعلن الرئيس جورج دبليو بوش عن مساهمة اميركية كبيرة، عندما تعهد بتقديم خمسة مليارات دولار، خلال ثلاث سنوات، الى «حساب تحديات الالفية» لمساعدة الدول النامية على تحسين اقتصاداتها ومستوى معيشتها (تبلغ المساعدة الاجنبية الاميركية غير العسكرية في الوقت الحالي حوالي 10 مليارات دولار سنويا).

وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، اعلن الاتحاد الأوروبي، انه بحلول عام 2006 ستزيد الدول الاعضاء في الاتحاد مساعدات التنمية التي تقدمها بقيمة أربعة مليارات دولار سنويا، لتصل الى معدل 39.0 في المائة من اجمالي الناتج المحلي، وهذه خطوة هامة باتجاه معدل 7.0 في المائة الذي تستهدفه الامم المتحدة.

ولن تكون هذه المبالغ كافية. فكل الدراسات الاقتصادية تشير الى انه بغية تحقيق «أهداف التننمية الالفية» نحتاج الى زيادة تبلغ حوالي 50 مليار دولار سنويا بصيغة مساعدات رسمية على مستوى العالم، وهو ما يعني ضعف المستويات الحالية. ولكن القرارات الاوروبية والاميركية تشير، فعلا، الى ان الخلاف بشأن المبدأ قد جرى حله. وتتفق كل الحكومات على ان المساعدة الرسمية ليست سوى عنصر واحد في مزيج التنمية، ولكنه عنصر جوهري.

ويمكن للمساعدة ان تكون اكثر فاعلية بكثير، في الوقت الحالي، مما كانت عليه قبل 20 عاما، اذا ما ركزت على بناء قدرات الدول المتلقية على ادارة اقتصاداتها، وليس على المشاريع او المصالح الجغرافية للدول المانحة. ويتعين على المساعدات في وقتنا الحالي ان تستهدف تنمية الموارد البشرية حتى يمكن تعزيز النمو. يجب ان تتوجه لا الى ضمان الولاء، وانما الى المكافأة على نهج الحكم السليم الدائم.

*الأمين العام للامم المتحدة ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»