آذار: الشهر الأطول في التقويم السياسي الكردي

TT

في شهر آذار ينتعش الجو السياسي والاحتفالي الى الحد الاقصى في اقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بالحرية منذ عقد من الزمن لاول مرة في تاريخ الشعب الكردي. ففي هذا الشهر لا تغير الطبيعة الكردستانية ثوبها، بل وتطغى على الانسان مشاعر الغبطة والفرح والحزن، واجترار مرارات ذكريات تجمع الألم بالامل، ولكن تبقى البهجة وحلقات الدبكة الكردية وهدير الاغاني السياسية المعبرة، طاغية في ظل انتعاش السلام والتنمية، في منطقة كانت حتى عام 1991 واحدة من أكثر مناطق العالم بؤسا.

في الاول من هذا الشهر مرت ذكرى رحيل القائد الكردي مصطفى البارزاني، وفي اواسطه مرت الذكرى 99 لميلاد هذا الرمز التحرري، الذي دشن اطول واعقد فصل في تاريخ المقاومة الكردية وما زالت بصماته واضحة في الحياة السياسية في الاقليم، لجهة تأصيل البعد الوطني العراقي للتجربة الديمقراطية الكردية، ولجهة تفعيل وتعزيز اواصر التآخي العربي ـ الكردي وتأطير النضال الكردي بألوان تحمل طموح التغيير الديمقراطي لعموم الشعب العراقي، بكل قومياته وتلاوينه.

في 6 آذار مر اليوم الذي ابرمت فيه اتفاقية الجزائر، بين النظامين العراقي والايراني الشاهنشاهي، على هامش اجتماع الدول المصدرة للنفط (اوبك) عام 1975، وهي الاتفاقية التي اوقفت الدعم الايراني للثورة الكردية، وتسببت في تشريد نحو نصف مليون كردي عراقي الى ايران، وكانت فاتحة حرب الابادة العنصرية التي شنتها الحكومة العراقية في الاقليم الكردي، ولكن هذه الاتفاقية ذات البنود السرية، كانت ايضا طعنة في السياسة الوطنية العراقية، حيث تنازل النظام الحاكم في بغداد، عن اراض عراقية لايران الشاه، مقابل حجب الدعم عن الثورة الكردية التي اندلعت مجددا بعد عام في 26 ايار 1976.

وفي 11 آذار يتذكر الكرد في كل مكان بنود الاتفاقية الاكثر شهرة وشمولية، بين قيادة الحركة الكردية والحكومة العراقية التي تضمنت الاعتراف الصريح والدستوري بوجود القومية الكردية، كقومية ثانية في العراق، ولكن الاتفاق نقض عام 1974 بعد تحالف حذر وقائم على جبل من المشاكل بين حليفين لدودين.

اما في 16 اذار فقد وقف جميع سكان الاقليم في الساعة الحادية عشرة صباحا دقائق حدادا على ضحايا جريمة ضرب مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي المدمر عام 1988، وتتجدد الدعوة الكردية في منابر الاعلام لجعل هذا اليوم يوما عالميا لتحريم الاسلحة الكيماوية وتفعيل وتطوير اتفاقية جنيف لعام 1925 بهذا الصدد.

وتبقى ظلال الانتفاضة المليونية التي اندلعت في كل انحاء العراق، ومنها كردستان العراق، حاضرة في الاذهان في هذا الشهر حيث انطلقت في الشهر نفسه عام 1991 اكبر انتفاضة شعبية في تاريخ المنطقة، وكان من ثمارها استحداث المنطقة الآمنة الكردية وانسحاب الاجهزة الحكومية عن كردستان العراق.

اما في 21 اذار فان الاستنفار الاحتفالي في اقليم كردستان العراق بلغ اوجه بحلول عيد (نوروز) القومي، وهو اليوم الذي يستيقظ فيه الحلم والتطلع الكرديين في كل مكان بالحرية والسلام، وترتفع مشاعل النار على الجبال الكردية العصية وفي كل مكان وبيت، والفارق ان اكراد العراق يؤدون طقوس هذا اليوم وتقاليده العريضة في تاريخهم وغنائياتهم الشعرية، بحرية مطلقة، في حين ما زالت نيران عيد (نوروز ـ اليوم الجديد) في اجزاء اخرى من كردستان تشكل كل عام هاجسا مخيفا يثير القلق والفزع من احتمال ان يأتي لهيبها على هشيم القمع والاضطهاد الذي يعتبر العنوان الاكبر والاطول في سجل تاريخ الشعب الكردي المروي بالدم.

* كاتب سياسي كردي