أول الغيث... في أفغانستان

TT

ماذا يعد، ميدانيا، للحرب على الإرهاب في أفغانستان؟ استنادا الى الجهة الاكثر اطلاعا من غيرها على مجريات الحرب، اي المصادر الاميركية، شهد الاسبوع الماضي نهاية «اضخم» معركة برية مع «فلول» القاعدة وطالبان... ولكن وسط تلميح من الجنرال الاميركي، تومي فرانكس، بان المزيد من المعارك المماثلة لعملية «اناكوندا» متوقعة في سياق حملة ملاحقة مقاتلي القاعدة وطالبان . وتوقعات الجنرال فرانكس اكتست مصداقية فورية باعلان بريطانيا ارسال «اكبر» عدد من المغاوير منذ حرب الخليج ( 1700عنصر من الكوماندوز) الى افغانستان لمؤازرة حوالي 6 الاف جندي أميركي وكندي عاملين فيها. يجري ذلك في وقت تعمل فيه واشنطن على «تبريد» توقعات الاميركيين بنصر سريع وحاسم في افغانستان، فيما يوحي الرفع التدريجي لعديد القوات الغربية ـ والمنتظر ان يصل، حسب المصادر الاميركية، الى 12 الف جندي ـ بان واشنطن بدأت تتحسب لاحتمال تحول حملتها العسكرية في افغانستان الى حرب برية تقليدية لم يعد واردا حسمها بسلاح الطيران فحسب .

باختصار حرب «الريموت كونترول» انتهت في افغانستان. وفيما كانت واشنطن تتحدث، قبل خمسة أشهر، عن اندحار مخز وسريع لقوات طالبان والقاعدة وتتوقع ان لا تستغرق عملية القبض على اسامة بن لادن اكثر من اسابيع معدودة، باتت تستعد اليوم لحرب طويلة الامد للقضاء على ما تصفه بـ«جيوب» المقاومة في جبال افغانستان الشرقية فيما يرجح مدير وكالة الـ«سي. اي. ايه»، جورج تينيت، ان تواجه القوات الاميركية ابتداء من الربيع المقبل، «عمليات وفق النموذج الكلاسيكي لحرب العصابات» ويدعو رئيس اجهزة الاستخبارات العسكرية، الاميرال توماس ولسون، الجنود للاستعداد لهذه الحرب «في المدن كما في الارياف» ...ويُسحب من التداول العلني موضوع العثور على بن لادن، أو حتى الملا محمد عمر، حيا أو ميتا.

هل استعجلت واشنطن النصر قبل اوانه ... أم انها لم تتوقع تحول حربها على «الارهاب» (بالمطلق) الى حرب «افغانية» (بالاسلوب والنمط والطابع )، اي حرب قد تضطرها، عاجلا أم آجلا،الى مواجهة خيارات قد يكون ابرزها :

* إما زيادة اعتمادها على قوات التحالف الشمالي ذات الاكثرية التاجيكية ـ وهو امر من شأنه إثارة الحساسيات القبلية لدى الاكثرية البشتونية ولا يساعد بالتالي على استقرار «الدولة» الموحدة في افغانستا .

* أو اللجؤ الى مساعدة قوى قبلية محلية ـ مع ما يستدعيه ذلك من إغداق السلاح والاموال على عدد من زعماء القبائل المعروفين بولاءاتهم المتقلبة وتنافسهم التقليدي على النفوذ والمكاسب، مما قد يمهد، على المدى البعيد، لقيام نسخة جديدة من حركة طالبان المسلحة.

* أو الاستعانة باعداد متزايدة من الجنود الغربيين ـ وخصوصا الاميركيين ـ والمخاطرة بتحول المواجهات الميدانية الى حرب استنزاف بشرية للاميركيين قد لا يتحملها الرأي العام في الداخل، اضافة الى ما سيثيره تكثيف التدخل العسكري المباشر من اتهامات بـ«احتلال» اجنبي لافغانستان. سيناريو الحرب الاميركية على الارهاب يتخذ، شيئا فشيئا، منحى لا تختلف فصوله عن بدايات حرب العصابات الافغانية ـ الروسية في الثمانينات... باستثناء حلول لاعب خارجي آخر على الساحة محل اللاعب السابق. وإذا استمرت الحال على هذا المنوال قد لا يكون من المبالغة في شيء القول ان ما يشهده العالم اليوم على الساحة الافغانية هو... «أول الغيث».