يحضر ويعود

TT

هناك وجهان للمسألة: القانون الدولي، واسرائيل. في القانون الدولي، ياسر عرفات رئيس عربي لسلطة قائمة ودولة تنتظر الاعلان. وهو بهذه الصفة يقوم بزيارات رسمية الى جميع الدول الكبرى، ويقابل زعماءها، ويعقد معهم الاتفاقات. وبهذه الصفة دخل البيت الابيض سبع مرات، وحضر المؤتمرات الدولية، وأجريت له مراسيم الاستقبال.

وفي امكان اميركا ان ترفض استقبال عرفات، او ان تتهمه بالتقصير، لكن ليس في امكانها ان تسحب اعترافها منه، لأنها اذا فعلت سوف تلغي كل الاتفاقات والمفاوضات التي عقدها في ظلها، وسوف تسجل على نفسها سابقة لا تستطيع ان تتحمل تسجيلها. فالعلاقات الدولية ليست مزاجاً خاصاً ولا مزاجاً عاماً. ورئيس فلسطين شخصية معنوية مستقلة وذات سيادة، سواء كانت في أسر شارون ام لا. فتصرفات شارون ودباباته لا تغير شيئاً على الاطلاق من موقع عرفات حيال القانون الدولي والاسرة الدولية. فهو رئيس لا يتنازع سلطته احد ولا يدعيها احد. وهناك معارضة لسياسة عرفات في اساليب المواجهة، لكن المنظمات المعارضة لا تعترض على رئاسته او على سلطته او على شرعيته.

اذن، مسألة حضور عرفات القمة العربية في بيروت، ليست مطروحة على احد او في اي مكان. واول من قال ان «عرفات سوف يحضر القمة» بصيغة الجزم كان الجنرال كولن باول. ونصف زيارة الرئيس حسني مبارك الى واشنطن كان عنوانها حضور عرفات، بل اخبرني مسؤول فلسطيني يتولى استعدادات الحضور، ان مبارك كان يربط حضوره بحضور عرفات.

هل يحضر؟ للمسألة وجهان لا ثالث لهما. وجه القانون الدولي ووجه ارييل شارون. بالنسبة الى القانون الدولي، ياسر عرفات رجل حر وزعيم مستقل ويمثل قضية تملأ ادراج الامم المتحدة. ان له مطلق الحق في الخروج من ارضه ومطلق الحق في العودة اليها. وبالنسبة الى القانون الدولي والاتفاقات المعقودة مع حكومة اسرائيل برعاية اميركا وروسيا، ليس شارون سوى محتل ومبتز وغانغستير، كل اهميته عدد الدبابات التي يستطيع نشرها. اما سوى ذلك فأن محاصرة ياسر عرفات ومنعه من التنقل وحجب الحرية عنه، فهي عملية اختطاف معلن في وضح النهار على طريقة «العرابين» في روايات ماريو بوزو مؤرخ المافيا. وهذه مسألة لا سابقة لها في اي مكان، الا في تاريخ المافيا السري.

أما على صعيد القانون الدولي المتعاهد عليه بين الامم والبشر، فان ارييل شارون الذي دمر مطار عرفات وقصف منزله ومقره، توقف عند سحب الاعتراف بالرئيس الفلسطيني. هذا امر لم يجرؤ عليه. ولن يجرؤ على منع عرفات من العودة، تحت اي ذريعة. فهذه المرة لن يخرج ياسر عرفات كلاجئ من دون وثيقة سفر، بل كرئيس دولة لحضور مؤتمر قمة. واذا خرج فوسط حماية دولية معلنة يشارك فيها، هذه المرة، المستر جورج بوش.

هل يحضر اذن؟ على الأرجح سيفعل. فلا يمكن ان تقر القمة مشروعاً يتضمن الحل النهائي من دون توقيع وتفويض الرئيس الفلسطيني. لكن، من حيث «القانون الدولي» كيف سيحضر؟ فهو لا يستطيع المجيء مباشرة من الاجواء الاسرائيلية الى اجواء لبنان. ولذا فقد يأتي براً الى عمان وجواً منها. وقد يذهب منها الى مصر ويحضر مع الرئيس مبارك. وبذلك يعود الى لبنان تحت انف شارون الذي ارغمه على الخروج منه قبل عشرين عاماً، لكن في المرة الاولى غادر بيروت على ظهر باخرة الى اليونان، اما الآن فيعود الى ارضه، سواء فعل ذلك «سراً» كما اعتاد من قبل، او في حماية الاعتراف الدولي.