منطق شارون المقلوب

TT

لم تعد جديدة محاولات رئيس الحكومة الاسرائيلية، آرييل شارون، قلب المنطق التسلسلي للحدث السياسي بالقفز فوق معطياته الاساسية ـ وبالتالي تجاهلها مهما كانت ملحة ـ على أمل فرض حصيلة نهائية له تخالف ما يفرضه منطق الحدث نفسه. في هذا السياق يندرج اقتراح شارون التهكمي عن استعداده للمشاركة في مؤتمر القمة العربية في بيروت وتأكيده، في الوقت نفسه، انه لن يسمح لرئيس السلطة الفلسطينية، ياسر عرفات، بمغادرة اراضي الحكم الذاتي «طالما ان العنف مستمر».

إذا كان شارون يقصد من اقتراحه الذهاب الى بيروت لحضور مؤتمر القمة العربية اعادة الاعتبار السياسي له، داخل اسرائيل وخارجها، فان بيروت لم تنسَ بعد آخر «زيارة» له عام 1982 ولا المجازر التي استتبعتها في مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين.

وإذا كان شارون يعتبر أن «حضوره» لمؤتمر القمة يمهد للتسوية المطلوبة، فإن التمهيد الواقعي لهذا الحضور يكون بالغاء «حضوره» الآخر ـ الاحتلالي والاستيطاني ـ في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، فمنطق التسلسل الحدثي يفترض ان تكون استضافة اي عاصمة عربية كانت لاي رئيس حكومة اسرائيلية «نتيجة» للتسوية وليس «مقدمة» لها.

أما إذا كان شارون يقصد فعلا من اقتراحه التمهيد لتسوية للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، فقد كان الاحرى به الاعلان عن رفع اي قيد كان على سفر عرفات الى بيروت، ليس لأن عرفات هو «اب» القضية التي سيبحثها مؤتمر بيروت بل لان اقراره بضرورة مشاركة عرفات في القمة هو المؤشر الاكثر جدية على استعداده للتوصل الى تسوية مقبولة لنزاع الشرق الاوسط في اطار مبادرة ولي العهد السعودي، الامير عبد الله بن عبد العزيز. والواقع ان شارون، لو كان حقا في وارد التوصل الى تسوية للنزاع قبل ان يفلت زمام الامور من ايدي الجميع، لما اعتبر اقتراح المبادرة السعودية انسحاب اسرائيل الى حدود ما قبل حرب يونيو (حزيران) 1967«شرطا مسبقا» لا تستطيع اسرائيل ان تفعله، الامر الذي يعني ان شارون لا يزال يأمل في «مكافأة» على عدوان عام 1967ويتوقع في الوقت نفسه «مكافأة »إضافية باستقبال القمة العربية له. لافت ان تكاد تنقضي سنة وثمانية اشهر على الانتفاضة الفلسطينية واكثر من سنة على رئاسة الجنرال شارون لحكومة «الوحدة الوطنية» في اسرائيل... والتهرب من استحقاقات الانتفاضة الفلسطينية، ولو بمبررات واهية وذرائع تعجيزية، لا يزال اسلوب التعامل الرسمي مع قضية بأهمية القضية الفلسطينية وخطورتها.

وإذا كان ثمة تعليق واحد يمكن ان يختصر الرد العربي على اقتراح شارون حضور القمة العربية في بيروت فقد يكون: آن الاوان لان تعود الجدية الى التعامل الاسرائيلي مع الاحداث.