هي أكثر من أعمال إرهابية

TT

هناك بعد رمزي في حقيقة ان وكالة التجنيس والهجرة بعثت برسائل باجازة تأشيرات الارهابيين محمد عطا ومروان الشحي، وان هذه الرسائل وصلت الى مدرسة الطيران التي كانا يدرسان بها في فلوريدا، مع ذكرى مرور ستة اشهر على مجزرة 11 سبتمبر (ايلول) التي نفذاها.

البعد الرمزي يتمثل في اننا ننسى بعض النقاط الاكثر اهمية حول 11 سبتمبر. فلماذا لا تنسى وكالة التجنيس والهجرة هذه الحقائق الهامة بدورها؟ فقد كانت احداث 11 سبتمبر تنطوي على خطر من نوع خاص. ولم تكن احداثا ارهابية وكفى.

الارهابيون الحقيقيون لا يرغبون في قتل اعداد كبيرة من البشر. انهم يستخدمون بالاحرى قدرا محدودا وطائشا من العنف، او الاختطافات، لخلق الضجيج واشاعة الخوف لجذب الانتباه الى القضية التي يعملون من اجلها. وهم يرمون من وراء كل ذلك الى ممارسة نوع من الضغوط الدبلوماسية او السياسية من اجل اهدافهم المحددة.

هذا هو السبب الذي يجعلنا نقول ان اسامة بن لادن ليس ارهابيا فحسب. ان له اهدافا اكثر طموحا من ذلك. انه رجل غاضب، يملك امكانيات قوة عظمى، وينطلق من اهداف ونزعات جيوسياسية شبيهة تماما باهداف ونزعات دولة وطنية. فهو لم يستخدم العنف من اجل الاستحواذ على العناوين الرئيسة في وسائل الاعلام. بل استخدم العنف لقتل اكبر عدد من المواطنين الاميركيين، حتى يطرد الولايات المتحدة من كل العالم الاسلامي وحتى يضعف المجتمع الاميركي. وهذا هو السبب في ان منفذي هجمات 11 سبتمبر لم يخلفوا وراءهم قائمة مطالب، كما يفعل الارهابيون دائما. ففعلهم نفسه كان هو مطلبهم. ومطلبهم ليس سوى النصر الكامل.

ان العامل الذي مكن بن لادن، هذا الرجل الغاضب القوي، من تحدي قوة عظمى، هو مقدرته على اختراع نظم لاطلاق الصواريخ خاصة به، وقادرة في نفس الوقت على منافسة النظم التي نملكها نحن. فنحن نملك صواريخ موجهة عن طريق الكومبيوتر. اما هو فلديه صواريخ موجهة بشريا: 19 شابا عربيا متعلما، مستعدون لاختطاف طائرات وقيادتها لضرب اهداف كبرى في عمليات انتحارية. وعلينا ان نتذكر دائما ان أحداث 11 سبتمبر كان يمكن ان تكون اسوأ كثيرا مما كانت عليه. فقد كان من الممكن ان يحمل احد صواريخ بن لادن سلاحا نوويا. والسبب الوحيد الذي منع ذلك من الحدوث هو ان الارهابيين لم يحصلوا على ذلك السلاح.

وما دام الامر هكذا، فان الاستجابة الاميركية الاستراتيجية لاحداث 11 سبتمبر، يجب ان تكون ذات شقين:

اولا: يجب ان نفهم على وجه التحديد من كان هؤلاء الخاطفون الـ19 وكيف تم تجنيدهم. علينا ان نعرف الطريقة التي تم بها (تجميع) هذه الصواريخ البشرية.

ثانيا: علينا ان نبذل جهدا عالميا للتأكد من ان كل الاسلحة النووية والبيولوجية تخضع فعلا لاكثر نظم الرقابة صرامة.

قال غراهام اليسون، استاذ الاستراتيجية بجامعة هارفارد:

«من الناحية التاريخية،كانت هناك فجوة بين الغضب الشخصي للافراد، وما يمكن ان يفعلوه تحت تأثير هذا الغضب. ولكن بفضل التقدم التقني المعاصر، ونسبة لاستعداد الناس للانتحار، فان الافراد الغاضبين اصبح بمقدورهم حاليا قتل ملايين الناس اذا وجدوا الادوات الملائمة. ونحن لا نستطيع تغيير نواياهم بين عشية وضحاها، ولكننا نستطيع ان نضمن ان المواد الكفيلة بتحويل غضبهم الى شيء يهددنا جميعا، مغلقة بإحكام في اماكن مثل فورت نوكس».

هذا يعني تحديدا استثمار مزيد من الجهد والمال للعمل مع روسيا لضمان مخزونها من الاسلحة النووية، وذلك لان روسيا واميركا تملكان معا 99% من المخزون العالمي من الاسلحة النووية والبيولوجية. وبعد ان نفعل ذلك مع روسيا علينا ان نعمل مع الصين والهند وباكستان وايران والعراق. ومن سوء الحظ ان فريق بوش يركز على العراق دون سواه. وعندما اقول ذلك لا اعني ان العراق لا يسبب مشكلة، بل اعني فقط انه ليس على راس قائمتي.

ان ما يزعجني اكثر من سواه عندما افكر في مصير ابنتي، ليس هو صدام حسين. هو بالفعل طاغية مدمن لاعمال الابادة الجماعية، ولكن يمكن ردعه بالوسائل التقليدية. ان ما يزعجني اكثر من أي شيء اخر، هو اننا لا نعرف حتى الان من هم اولئك الـ19 وما يزعجني هو انه في كل يوم تقريبا، ومنذ ستة اشهر مضت، كان هناك رجال ونساء، فلسطينيون وفلسطينيات، كثيرون منهم علمانيون، يتمنطقون باحزمة من المتفجرات حول خصورهم، ويفجرون انفسهم ضد اهداف اسرائيلية. كيف يمكنك ان تردع اشخاصا مثل هؤلاء، يكرهوننا ويكرهون اسرائيل اكثر مما يحبون اسرهم المباشرة او مستقبلهم؟

ان معالجة مثل هذه النوايا تحتاج الى وقت طويل، والى مجهودات دبلوماسية ضخمة. اما ما نستطيع ان نفعله الان فهو خفض مقدرة هؤلاء الافراد، وهذا الامر لا يخصنا وحدنا. فاذا اصبحت حرب الانتحاريين، امرا «عاديا»، فان النظم العربية لن تكون بمنأى عنها باي حال من الاحوال. لان هؤلاء الافراد اذا شعروا بقوتهم من جراء استخدامهم هذه الاسلحة، فانهم لن يتوقفوا عند «الكفار» وحدهم. انهم سيلتفتون دون ريب الى حكامهم. واذا اصبحت هذه الوسائل «عادية» فان هذا سيكون امرا بشعا بالنسبة الى الفلسطينيين، لان الطريقة التي تولد بها دولتهم ستؤثر على مستقبل تلك الدولة. فالدولة التي تولد بفضل مجهودات الانتحاريين ستبقى مشوهة الى الابد.

إذا اصبحت هذه الاعمال «عادية» في هذا العالم المترابط، فانها ستؤثر على ابنائك وابنائي، وستجعل المشاكل التي يمكن ان يسببها العراق وكأنها يوم على البلاج.

* صحافي وكاتب أميركي ـ «خدمة نيويورك تايمز» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)