وهم أميركي

TT

لم يعد نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى بلاده من جولته الاخيرة في الشرق الاوسط بخُفّي حُنين، كما قد يظن البعض ممن يصدّق ما يقال في اجهزة الاعلام الحكومية، خصوصا على صعيد الملف العراقي الذي كان الهمّ الاول والاكبر في الجولة. فهو أسمع ما أراد أن يُسمع، وهو ان واشنطن عازمة على اطاحة صدام عاجلا ام آجلا بهذه الصيغة او تلك، ووجد من يُصغي الى ذلك جيدا وسمع ما رغب في سماعه وهو، في اكثر ما قيل دبلوماسية، ان احدا لن يذرف دمعة على صدام حسين. نعم، كانت هناك بعض التحفظات والاعتراضات والملاحظات، من قبيل ألا تكون الضربة العسكرية طويلة الامد واسعة النطاق وانما سريعة وحاسمة وتستهدف صدام وبعض كبار مساعديه والاهداف العسكرية الرئيسية، وان تهتم واشنطن قبل هذا بايجاد مخرج للمأزق الذي بلغته قضية الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي بسبب سياسة القسوة المبالغ فيها لحكومة ارئيل شارون، وألا يكون للاكراد ـ حسب طلب تركي ـ دور في العملية العسكرية المرتقبة، اي ألا تنطلق القوات التي يمكن ان تهاجم بغداد من الشمال الكردي بمعية قوات كردية.

هذه وغيرها من التحفظات والاعتراضات والملاحظات انما تتعلق بالشكل الخاص بعملية اطاحة صدام لا بمضمونها. فهل اصبحت الطريق سالكة امام الاميركيين لبدء عمليتهم العسكرية في العراق؟

بالطبع تملك الولايات المتحدة كل ما يلزم من القوة العسكرية التي تستطيع في غضون ايام قلائل او بضعة اسابيع فقط ان تطيح نظام حكم مكروها للغاية داخل بلاده وفي محيطه الاقليمي وعلى النطاق الدولي كالنظام العراقي.

لكن ليس الامر بهذه البساطة. هذا اذا اقتنعنا بان ادارة الرئيس بوش تريد حقا اطاحة صدام واعدّت فعلا لهذا الامر. فالسؤال الملّح: ماذا بعد اطاحة صدام؟ كيف ستتدبر واشنطن امر العراق بعد اطاحة صدام؟ من سيدير العراق في المرحلة الانتقالية؟

حتى الآن لم تصدر اي اشارة اميركية على ان صناع القرار في واشنطن مهتمون بمرحلة ما بعد صدام لكي يقنعوا الاخرين، وخصوصا العراقيين، بأنهم صادقون فيما يقولون.

من المضحك ان نتصور ان الولايات المتحدة ما زالت تراهن على «احصنتها» القديمة التي اظهرت تجربة عشر سنوات انها لا تصلح لا للجري في مضامير السباق ولا للحمولة في الاسواق.

ليس في العراق شعب جاهل لكي يكون سهل الانقياد الى الدرجة التي يمكن ان يقبل بمن لا يعرفهم ـ اذا لم نقل انه يعرف انهم مثل صدام تماما ليسوا حسني السيرة والسلوك ـ لكي يكونوا حكاما له بعد طول معاناة ومكابدة.

وهم كبير ان يعتقد اي كان ان كل شيء في العراق مرتّب ومهيّأ لعمل عسكري اميركي، او ان العراق سيكون مرتّبا ومهيّأ للاميركيين واحصنتهم القديمة بمجرد القيام بعملية عسكرية اميركية.

[email protected]