هي في انتظارك ملت!

TT

تنمو الاشاعة في بيروت على الشجر والجدران. ومن طبيعة الاشاعة انها عندما تنتقل من مكان الى مكان، تكبر مثل كرة الثلج المتحدرة تترى. فكلما رواها راو اضاف اليها ملحا او بهارا او رشة من الكمّون. وتغرق الناس في الاشاعة من دون ان تكلف نفسها مشقة التحقق او التساؤل. فغالبا ما توافق الاشاعة الاهواء الباطنة، فتميل الناس الى اتخاذها حقائق.

منذ ان اقترب موعد القمة الدورية في لبنان، ويد بيروت على قلبها: هل تعقد او لا تعقد؟ وسرت اشاعة تقول ان سورية لا تريدها في العاصمة المجاورة، لأن ذلك يعني حضور الرئيس بشار الأسد وحضوره يعني اعتراف سورية بلبنان دولة مستقلة. ثم جاء الرئيس السوري الى بيروت من دون ان ينتظر موعد القمة. جاء ومعه رئيس البرلمان ورئيس الوزراء وبعدها سرت اشاعة ان الرئيس حسني مبارك لن يأتي. والعراق لن يحضر وأميركا ستعرقلها، والى آخره.

وفي كل مرة كانت بيروت تخاف! مثل الخطيبة التى تخشى ان يغير الخطيب رأيه في اللحظة الاخيرة، لكنها مضت تتصرف على اساس ان القمة حق طال انتظاره، وافاد اللبنانيون جميعا من حلول المناسبة وحسن المصادفة. فقد راحت الحكومة تهيء الطرقات المليئة بالحفر، وتزيل معالم الاهمال عن الشوارع، وتلصق علامات السير حيث غابت غياب الأمد والأبد، ولم تعد تقصر في الزتت او اعمدة الانارة، وسدت الفجوات وفتحت مسارب المياه، فلا كانت اهمية لبذخ ولا كان بال.

وتطيب خاطر اللبنانيين بما كسبوا من دون ان تدري نفوسهم. فالقسط الأول من نتائج القمة، سدد سلفا. ولكن يبقى نجاحها السياسي. ولبنان يدرك انه معلق على بوابة الشرق الأوسط. فلا حلول نهائية لتأزمه قبل الحل النهائي في المنطقة. وهو يستضيف منذ نصف قرن الجزء الأكبر من مخيمات البؤس. وينعكس تأزمه السياسي على وضعه الاقتصادي بشكل واضح. ولذلك فهو، على صغر حجمه، او بالاحرى بسبب صغر حجمه، معني اكثر من غيره بهاجس الحل.

القمة العتيدة هي، رمزيا، بوابة لبنان الحديث. المدخل والمخرج معا. بوابة عودته الى صف الدول العربية ذات الوجود الفاعل، وبوابة المخرج الى حل سياسي، يخرجه من تجمده المقيم، وينهي مرحلة التوقع والانتظار. ولذلك بالغت بيروت مثل أم العروس في اظهار فرحتها. فالمطار سوف يغلق الا للقادمين الألى. والشوارع سدت الا للضيوف. ومحيط القمة افرغ من سكانه، خشية ان يكون بينهم «اوزوالد» يبحث عن «كينيدي» في بيروت. الرجاء فتشوا عن مكان آخر.

غاب لبنان او غيب عن اللقاءات العربية طوال سنين. واذا ما حضر فقد كان يحضر مقسما ومجزأ، وجريحا في الحالتين. فلم يكن الجرح حكرا ولا النزف احتكارا. ومنذ ان عاد الى ديار السلام وهو يتعثر، خصوصا بتجاهل الخارج العربي وعقد الداخل اللبناني. والقمة مناسبة لبدء الخروج من المرحلتين. ولذلك فهو يعلق حولها الخرز الأزرق ويبالغ في حمايتها ويغلق المطار في وجه الجميع شرط حضور الضيوف والمنتظرين.