أرواح بشرية رخيصة

TT

سقط مبنى مدرسة في بيروت فقتل وجرح العشرات، ولولا العناية الإلهية، لكانت كارثة عظيمة، ولو ان الحادث وقع في غير العطلة الرسمية للمدرسة لكان لبنان كله في حداد.

الصحافة اللبنانية تتحدث عن اهمال، وعن مشكلة صيانة، وبلدية بيروت تتحدث عن انها اعطت ترخيصا بالعمل على ترميم واجهات المبنى، وليس اساساته. وبعيدا عن التفاصيل فان هذا الحادث يدخل في سلسسلة العديد من الاحداث الخطرة التي يذهب ضحيتها مئات الارواح في العديد من العواصم العربية، حيث تسقط عمارات على سكانها بسبب الغش في الاسمنت والتسليح، وتحدث كارثة قطار كما حدث في مصر قبل اسابيع ويذهب ضحيته المئات ثم يفتح التحقيق فينكشف المستور، ونرى ان هناك اهمالا وغيابا لأدنى متطلبات السلامة. وكذلك ما حدث لمدرسة البنات في مكة، وقبلها موت المئات في الجزائر بسبب قيام مبان عشوائية وغير مرخصة سدت مداخل ومخارج مجاري الامطار.

الحوادث كثيرة ومخيفة ومرتبطة بحالة من انعدام المسؤولية، او التراخي في احترام القانون، او عدم تقدير قيمة الروح البشرية، او قدرة البعض على كسر كل القوانين والقيام بعمليات نصب واحتيال لجمع الاموال على حساب ارواح الضحايا.

التاجر الذي يغش، ورجل الأعمال المزيف الذي يؤسس شركة للنصب على الناس بحجة الاثراء السريع، والمقاول الذي يغش بمواد البناء، والمواطن الذي يبني بيتا غير مرخص على اراضي الدولة فتتحول هذه البيوت الى احياء عشوائية، حتى وصلت الامور، انني رأيت حيا كبيرا في احدى المدن العربية اسمه حي «المخالفات» وعندما سألت السائق عن التسمية اجاب وهو يهز رأسه بأن كل البيوت المقامة هنا غير مرخصة!!.. كل هؤلاء عذرهم الذي هو اقبح من الذنب ان الدنيا «فلتانة» وان الكبار يكسرون القانون ويستولون على اراضي الدولة ولا أحد يصل اليهم، وهناك من يتعذر بانتشار الرشوة وغياب هيبة القانون، وغياب الرقابة بكل انواعها، وهو وصف صحيح ودقيق لواقع الحال، ولكنه ليس عذرا لأحد ليرتكب المخالفات وليكسر القانون ثم يتعلل بأن غيره ارتكب نفس الجريمة، والا فعلينا ان نسمح بسرقة الألف ونبررها بأن ذلك المتنفذ قد سرق المليون. وربما نقتل نفسا بريئة ونجد التبرير بأن غيرنا قتل نفوسا كثيرة.

الكبار الذين يكسرون القانون ويستولون على المال الحرام يسكتون متعمدين عن سرقة «الصغار» حتى يصبح المجتمع كله متساويا في السرقة. ويسكتون عن انتشار الرشوة والمحسوبية لأنهم يعيشون عليها. واخطر من كل ذلك ان كسر القانون والاستيلاء على المال الحرام اصبح يسمى «شطارة» ويسمون من يقوم بعمليات نصب كبيرة بأنه ذكي.

لا حل الا باجتثاث الفساد من جذوره، والبداية بأن يكون «الكبار» نموذجا للصغار، وان يفتح ملف الفساد والتسيب وغياب تحمل المسؤولية على مصراعيه، وان يرسل بعض المتنفذين والكبار الى السجن بتهمة الرشوة او حتى الاهمال.