ما وراء الستار في قمة بيروت (1 من 3)

TT

لم يخطئ أحد المسؤولين في الجامعة العربية عندما أبدى استغرابه من استنكار الكثيرين لما حدث في مؤتمر قمة بيروت عندما انسحب الفلسطينيون وتبعتهم الوفود العربية وعمت القاعة الفوضى. قال انها مسألة مألوفة في القمم العربية عندما يضطر وفد الى التصعيد ودفع الجميع للمساومة السياسية، وسبق ان حدثت انسحابات حقيقية ولم تكن فضيحة فلماذا الآن؟ قلت له هذه المرة أخذ الانسحاب الفلسطيني بعداً غير عادي لسبب واحد هو دخول الاعلام المرئي على الخط. كان كل شيء يحدث امام الجمهور العربي في بيوتهم ومكاتبهم. كانت الفضائح على الهواء مباشرة. قلت له ايضاً تخيل لو ان قمة بيروت تمت بلا هذه الصحون والكاميرات وبلا «جزيرة» و«ام. بي. سي» و«إل. بي. سي» و«المستقبل» وعشرات المحطات الاضافية بالعربية وبلغات أخرى.. تخيل لو ان القمة اختصرت تغطيتها كما كان يحدث في الماضي على التلفزيونات الحكومية؟ ففي الماضي حدثت انسحابات وشبه انهيارات لقمم كبيرة لكن كان المشاهدون يسمعون تعليقاً مناقضاً للحقيقة، «ان المؤتمر بتلاحمه وتضامنه هنا في هذه القاعة» يقولها مذيع الحكومة بلا حياء رغم ان القاعة تعمها الفوضى والفرقة. ويستطرد المذيع الحكومي في الماضي، ما قبل عهد المحطات المستقلة، يتحدث معلقاً على كل شيء إلا على الفشل الحقيقي للمؤتمر. هذه المرة في قمة بيروت كانت الفضيحة علنية.. ملايين العرب شاهدوا على الهواء مباشرة كيف تململ عرفات في كرسيه ساعتين متواصلتين وكيف استنكر الوفد الفلسطيني وسمع تفاصيل ربما لم يسمع بها اصحاب العلاقة في ادارة المؤتمر.

هذا هو الفارق، فالانسحابات والمكائد السياسية رافقت معظم القمم لكنها كانت همساً خاصاً بالحضور فقط. في بيروت بدا المؤتمر كخشبة مسرح بلا ستارة، بلا خصوصية كتلك التي اعتادت عليها السياسة العربية، مدعية في كل مرة ان كل شيء ناجح ورائع. لهذا رغم ما حدث لا يعني ان مؤتمر بيروت في يومه الأول كان سيئاً جداً، فالفوضى العارمة كانت نسخة عادية عن مؤتمرات قمم ماضية بدليل ان الجميع زودوا بمعلومات خاطئة عن جدول المتحدثين واضطرت محطات تلفزيون ان تكتفي بحجوزات البث الفضائية لساعة المؤتمر الأولى فقط، ففاتها اهم ما قيل ودار لأن الجدول الذي بلغ به الجميع نص على ان الجلسة من متحدثين اثنين فقط وبعدها ستغلق الأبواب وتطفأ الكاميرات. وهذا أمر عهدناه في معظم المؤتمرات الماضية حيث لا يطابق البرنامج واقع الحدث.

ومن خلف أبواب المؤتمر كانت الأحداث الصغيرة كثيرة. ولحسن الحظ فان احداً من الاعلاميين لم يلاحقها ربما اعتقاداً انها مسائل صغيرة. ففي اليوم الأول احتج احد رؤساء الوفود حيث نقل في سيارة مستأجرة، وعندما وصل الى الفندق اكتشف انه منح غرفة صغيرة في حين ان بقية الوفود منح رؤساؤها اجنحة كبيرة واعتبرها اهانة لبلاده، وعندما قرر الانسحاب اضطرت ادارة المؤتمر الى تأمين جناح وحل الإشكال. والحقيقة انه لم يكن هناك من إشكال سياسي، لكن كثرة الوفود وصعوبة التنظيم جعلت حظ هذا الوفد في غرفة صغيرة لا تليق بمقامه. وأمر آخر شهدته هناك لا اعتقد انه يحدث في مؤتمرات القمم غير العربية. فقد اكتشفت ان هناك متاجرة للغرف بين الوفود، حيث قام بعض السماسرة باعادة تأجير بعض غرفهم لوفود أخرى! سألت احدهم كم دفعتم للغرفة المنقولة، فأسر لي انهم اشتروها بثلاثة آلاف دولار ليومين فقط. وهذه مسألة لا تستطيع ان تتهم ادارة المؤتمر بها لأنها تتم بين أعضاء الوفود أنفسهم وبالتراضي.