نجاح القمة العربية.. وتأثيره في إسرائيل

TT

اقتحام قوات شارون العسكرية بعد ساعات من انتهاء مؤتمر القمة لمقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله، واغتيال عدد من حرسه الخاص، واعتقال عدد آخر، واحتمالات التصعيد والهجوم في مناطق أخرى يكشف بوضوح وجلاء، رفض الحكومة الاسرائيلية لمبادرة السلام العربية التي اثمرها مؤتمر القمة، وانزعاجها من احتمالات تأثيرها في المنظمات الدولية والقوى الخارجية المؤثرة، مما يزيد التأكيد أن حكومة اسرائيل ارهابية ورافضة للسلام.

والاقتحام الاسرائيلي لا يجوز أن يدفعنا الى اسدال الستار على القمة التي يمكن القول من دون مبالغة انها كانت أكثر القمم العربية جذبا للاهتمام، وقد وضح ذلك في المشاركة الدولية التي جمعت بين زعماء العرب وأمين عام الأمم المتحدة، ورئيس وزراء اسبانيا رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي وأمين عام منظمة الوحدة الافريقية والمؤتمر الاسلامي ومنظمة الفرانكوفون كما يمكن القول ايضا انها كانت من أنجح المؤتمرات العربية لما اسفرت عنه من نتائج ايجابية تؤكد ان التضامن العربي يتوهج في أوقات الشدة وأخيرا يمكن القول أيضا انه أحاطت بها عدة احداث قبل انعقادها واثناءها اثرت في مظهرها من دون ان يؤثر ذلك في جوهرها أو يقلل من دورها، وواجبنا اليوم ان نقف عند المعالم البارزة التي حددت طريق النجاح.

* أولا مبادرة السلام كانت المبادرة التي تقدم بها الأمير عبد الله ولي عهد المملكة العربية السعودية هي المحور الرئيسي لمؤتمر القمة. وكانت استجابة الدول لها بالاجماع دليلا على انها معبرة عن آرائهم، وقد سبق أن كتبت في «الشرق الأوسط» يوم 2002/2/28 قائلا: انها مبادرة صحيحة في توقيت صحيح، وقد تبين ذلك في النقاط التفسيرية التي تقدم بها الأمير عبد الله عندما اشار الى أن العلاقات الطبيعية يمكن ان تقوم بين الدول العربية واسرائيل اذا انسحبت من جميع الاراضي المحتلة بعد 4 يونيو (حزيران) 1967 في فلسطين وسورية ولبنان، ووافقت على قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وسمحت بعودة اللاجئين تنفيذا لقرار مجلس الأمن 194، وبذا حصلت المبادرة على تزييد عربي جماعي معبر عن موقف موحد أظهر العرب بمظر الحريص على تحقيق السلام الشامل العادل باعتباره خيارا استراتيجيا لهم بعد تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وقد ظهور ذلك في البيان الختامي، دفعا للاتهامات التي وجهت للعرب بأنهم عدوانيون وارهابيون، وكشفا لموقف اسرائيل التي تمارس ارهاب الدولة دون اعتبار لمناشدات الدول الحريصة على استقرار السلام في المنطقة.

* ثانيا.. المصالحة العربية نجحت القمة في تسجيل نجاح قومي عندما اجتمع المشاركون جميعا على اتخاذ موقف حريص على رتق الخلافات العربية وتوفير الظروف المناسبة لتجاوز الماضي على اساس سليم، وكانت العناصر الفعالة في هذا المضمار هي رفض الدول العربية جميعا لأي عدوان أجنبي على بلد عربي، خاصة العراق الذي استهدفته اميركا عندما وضعته في محور الشر مع ايران وكوريا الشمالية رغم انه لم يثبت عليه أي دور في قضية الارهاب الدولي، ولا شك ان جماهير الأمة العربية قد ابتهجت بالعناق الذي تم بين الأمير عبد الله وعزة ابراهيم نائب الرئيس العراقي، كما وجدت في مصافحته للشيخ الصباح وزير خارجية الكويت باعثا على الأمل في تسوية الخلافات بين الدولتين الشقيقتين، خاصة بعد التزام العراق في خطابه الرسمي بالمحافظة على استقلال الكويت وسلامة حدودها الدولية، وهكذا تعتبر الخطوة التي تحققت في طريق المصالحة العربية من أهم الخطوات التي اتخذت في هذا المؤتمر الناجح.

* ثالثا.. المقاومة والإرهاب الظاهرة التي سادت في المؤتمر هي الحرص على دعم الانتفاضة والمقاومة الشعبية ومساندتها واظهار الفرق بينها وبين ما تدعيه الحكومة الاسرائيلية ومن يشايعها من أن ذلك نوع من الارهاب في تجاهل صارخ لدور المقاومة عبر التاريخ ضد قوات الاحتلال، وهو دور مشروع مارسته الشعوب في اطار القانون الدولي، وهو أمر يؤكد ان قرارات المؤتمر كانت من موقع قوة وليس موقف ضعف، حيث انه ثبت ان الانتفاضة هي العنصر الرئيس المؤثر في الحركة السياسية بالمنطقة وانها التعبير الصادق عن ارادة شعب فلسطين، واصراره على تحرير أرضه واقامة دولته، مهما بلغت التضحيات، وانها عندما تصاعدت من الحجارة الى استخدام السلاح أصبحت عنصرا مؤثرا داخل المجتمع الاسرائيلي وفي الحركة السياسية بالمنطقة.

وقد استطاعت الروح الايجابية التي سادت المؤتمر أن تتغلب على بعض السلبيات التي ظهرت واثارت بعض علامات التعجب والاستفهام، ومنها غياب 13 من الملوك والرؤساء بدون مبرر مقنع وقوي ومشاركة 9 منهم فقط، وهي أقل نسبة مشاركة في جميع مؤتمرات القمة، ومع ذلك كانت جميع الدول حاضرة، وكذلك اللبس غير المقصود الذي حدث نتيجة عدم اذاعة خطاب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في الجلسة الافتتاحية وسرعة معالجة الأمر بحكمة وروية من جانب رئيس المؤتمر رئيس لبنان، اميل لحود ورئيس الوزراء رفيق الحريري.

واخيرا، فإن سرعة رد فعل رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون على المؤتمر واندفاعه في عدوان وحشي غير مسبوق على الرئيس عرفات، كان ذلك دليلا على نجاح المؤتمر وخطورة تأثيره في الحكومة الاسرائيلية، خاصة بعد الانباء التي أظهرت تصاعدا في معارضة الرأي العام الاسرائيلي لسياسة شارون العدوانية وقيام مظاهرات معادية له، وهو أمر أصبح من مظاهر الحياة اليومية في اسرائيل.

وتبقى سياسة الادارة الاميركية التي لم تقم بادانة الهجوم على مقر عرفات ادانة صريحة، ولم ترحب ترحيبا عمليا بقرارات القمة العربية، مما يظهر انها ما زالت منحازة الى دعم الحكومة الاسرائيلية مهما ارتكبت من أعمال عدوانية، رغم ان مصالحها أكثر وفرة مع الدول العربية، وهو أمر يجب ان يوضع في دائرة المراجعة الفورية بعد اطلاق المبادرة العربية التي تحمل الأمن والاستقرار والسلام لجميع شعوب المنطقة.