إدارة بلا بوصلة

TT

نعلم أن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد من عناصر الصقور داخل ادارة بوش.. ونعلم ايضاً انه كان من المساندين لضرب العراق حتى قبل احداث سبتمبر، ولذلك فان العالم لم يقتنع ابداً بحججه او بحجج عناصر الصقور الاخرى داخل الادارة الاميركية، للترويج لضرب العراق الآن تحت لافتة حرب الارهاب.

كذلك ينقل عن رامسفيلد انه أيد في الاجتماعات الاخيرة لادارة بوش عزل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات سياسياً بشكل تام وتجميد تعامل الادارة معه والاعلان بأنه شخص غير مقبول لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية.

كل هذه المواقف معروفة عن رامسفيلد، لذلك ليس مستغرباً ان يسمع منه الناس تصريحات كتلك التي ادلى بها مساء اول من امس وحذر فيها سورية والعراق وايران، قائلاً انها تدعم «الارهاب الفلسطيني». الا ان المستغرب ان يحاول رامسفيلد استخدام منطق معوج لربط حرب الارهاب بالوضع الفلسطيني، ولكي ينطلق من ذلك لايجاد مبررات مختلفة للهجوم على ما تسميه واشنطن بـ«محور الشر» تارة وبـ«قائمة الإرهاب» تارة اخرى.

لقد استخدم رامسفيلد منطقاً اسرائيلياً صرفاً عندما قال ان القتلة ليسوا شهداء.. وان «الارهابيين» والانتحاريين الفلسطينيين «اعلنوا الحرب على الحضارة». فهذا المنطق مصاب «بالعمى الأخلاقي» و«غياب الضمير» من ادارة ترفض الا ان تضع نفسها في خانة المؤيد والمشارك والمبرر لكل الممارسات الاسرائيلية.

لماذا يصمت رامسفيلد عندما يعدم الجنود الاسرائيليون رجال الشرطة الفلسطينيين بدم بارد؟ بل ماذا عن قتل الاطفال الفلسطينيين وتدمير المنازل واحتلال المدن، وحصار الشيوخ والنساء والاطفال واغلاق المناطق؟ هل هذه هي معايير «الحضارة» في مقياس رامسفيلد الأخلاقي؟

ان ادارة بوش باجماع المراقبين حتى في اوروبا وداخل اوساط اميركية تتخبط في سياساتها ولا تملك استراتيجية للتعامل مع الوضع في الشرق الأوسط، وهي بذلك تثير حيرة حلفائها في اوروبا، وغضب اصدقائها في المنطقة، وفرحة اعدائها الذين يرون منها افعالاً تزيد في عزلتها وتستثير عواطف الناس وتنعكس على نظرتهم لأميركا ولادارة لم تقدم سوى الانحياز المطلق والأعمى لاسرائيل ضاربة عرض الحائط مصالحها وعلاقاتها وصداقاتها في المنطقة، ومجازفة بزيادة اعداد الناس الذين لا يكرهون اميركا بل يكرهون سياسات ادارتها، خصوصاً عندما يتعلق الامر بالصمت عن معاناة الفلسطينيين والتعامل مع دمهم على انه رخيص، وان الدم اليهودي أغلى من الدم العربي.

ان لب الأزمة هو الاحتلال، وليس هناك من مبرر اخلاقي او قانوني له، مثلما ان التاريخ والقانون الدولي يقفان شاهدين على ان من حق الشعوب مقاومته.. ولا يمكن لادارة بوش وصقورها الحديث عن «حضارة» بمساواة الضحية بالجلاد، والقاتل بالضحية. واذا أراد رامسفيلد ادانة «الارهاب» فان عليه ان يستخدم معياراً اخلاقياً واحداً في الحديث عن ما يسميه «الارهاب» ،وعليه ان يتذكر ايضاً معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال. واذا ارادت ادارة بوش تحمل مسؤولياتها فان عليها اتباع سياسة متوازنة تدين ايضاً ممارسات قوات الاحتلال وسياسات حكومة شارون، او ان تعلن صراحة للعالم رفع يدها عن الصراع، لأن موقفها الراهن مؤجج للنزاع، ومضر للمنطقة وللعالم وللولايات المتحدة ذاتها.