أهمية القرار 1397 وما بعده

TT

من المفروض ان ما يسمى بالشرعية الدولية، يظل الاساس الأهم الذي تستند اليه الدول في الدفاع عن قضاياها وحماية حقوقها ومصالحها، ضمن اطار الأمم المتحدة. والشرعية الدولية هي الوعاء الأشمل للقانون الدولي، الذي يستوعب، اضافة لمضمونه الأساسي، كل ما يصدر عن الأمم المتحدة من القرارات المتعاقبة، سواء تلك التي تصدر عن الجمعية العامة أو عن مجلس الأمن، لتثري بدورها قواعد واحكام القانون الذي ينظم حياة الأمم والدول ويفصل في نزاعاتهم، ويرتقي في التعامل فيما بينهم الى المستويات المثالية التي قصدها ميثاق المنظمة الدولية.

يجدر التنويه الى انه وإن كان لقرارات مجلس الأمن صفة تميزها بوضوح عن قرارات الجمعية العامة لكونها واجبة التنفيذ (بغض النظر عن صدورها استنادا للفصل السابع أو لغيره من فصول الميثاق) فإن ذلك لا يعني المساس السلبي بالقيمة القانونية أو الأهمية السياسية أو المعنوية لقرارات الجمعية العامة بغض النظر عن عدم الزام الدول الاعضاء بضرورة تنفيذها.

من هنا تأتي أهمية قرار مجلس الأمن الأخير رقم 1397 الذي أكد لأول مرة «رؤية لمنطقة تقوم فيها دولتان، اسرائيل وفلسطين، جنباً الى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها»، بالرغم مما سجل عليه من مآخذ وكشف فيه من ثغرات ما استوجب امتناع العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، مندوب سوريا عن التصويت لصالح القرار.

ولكن وقبل اجراء أي تقييم موضوعي للقرار لا بد من تثبيت ثلاثة اسس: الأول، ان هذا القرار لم يكن ممكنا لو لم تمهد الموافقة الاسرائيلية المسبقة عليه الطريق للموافقة الاميركية. ومن المعروف ان اسرائيل كانت قد أعطت من قبل الضوء الاخضر لوزير الخارجية الاميركي كولن باول عندما أعلن قبل أكثر من شهرين تصورا مشابها لما جاء في قرار مجلس الأمن حول قيام الدولة الفلسطينية. وتكرر ذلك على لسان الرئيس الاميركي نفسه في حينه، ولم يعد الحديث عن الدولة الفلسطينية من المحرمات المرعية.

الاساس الثاني: وهو نتيجة منطقية للأول، هو ان هذه الحالة هي القاعدة وليست الاستثناء. فاسرائيل من خلال تأثيرها، حتى لا أقول سيطرتها، على الولايات المتحدة، فيما يتعلق ببعض القضايا، واهمها القضية الفلسطينية، هي التي تتحكم في عمل مجلس الأمن.

أما الثالث: فهو ان من شأن غياب أية استراتيجية عربية ثابتة واحدة عن الساحة الدولية، لسبب بالغ الوضوح وهو عدم وجود مثل هذه الاستراتيجية أصلاً، من شأن ذلك ان يشلّ عمل المجموعة العربية في الأمم المتحدة ويفقدها القدرة على التأثير على ما يجري. وليس أدل على ذلك من ما ظهر من تضارب شاسع في المواقف العربية تجاه قرار المجلس المذكور بين من رأى فيه عناصر ايجابية بالغة الأهمية مثل الاعتراف بحق الفلسطينيين في اقامة الدولة ومثل الترحيب بمبادرة الامير عبد الله ومنحها الشرعية الدولية، وبين من رأى القرار مضرا لدرجة استوجبت عدم التصويت عليه ومن قِبل ممثل المجموعة العربية في مجلس الأمن.

الحقيقة ان كلتا الرؤيتين صائبتان، ما دام الابقاء على التقييم بعيدا عن التهويل في سلبيات القرار أو ايجابياته، وما دام التحليل مدركا للواقع القائم في الأمم المتحدة، ذلك الواقع البعيد كل البعد عن الحالة المثالية، والخاضع للسيطرة الكاملة للمعايير المزدوجة وللاجراءات الانتقائية، وللمحاباة للظلم احياناً، والمساومة على ذات القوانين والمبادئ والمثل والقيم التي تنادي بها المنظمة الدولية نفسها، والأهم من ذلك وما دامت قراءة القرار مدركة لحالة العجز العربي عن تعزيز وجوده في المنظمة الدولية باستراتيجية مدروسة موحدة واضحة وموفر لها كل اسباب التأثير والنجاح.

إذن فليس من المستغرب ان يكون القرار انعكاسا صحيحا لسلبيات الوضع وتناقضاته، وما يعتريه من مظاهر الخلل وفقدان التوازن والتجاوز على الحق والعدالة والحقيقة، وان تتخلله ثغرات اساسية عديدة.

فقد ساوى القرار بين المعتدي الذي يهاجم بالطائرات والدبابات والبوارج والجرافات المدرعة وباحدث وافتك الاسلحة المدنيين العُزل القابعين في مخيماتهم ومدنهم وقراهم، تحت أشرس وأسوأ وأطول احتلال عرفه التاريخ، وبين ضحايا هذا العدوان البربري الذين يتلقون الصواريخ والرصاص بصدورهم العارية وخاطبهما وكأن مسؤوليتهما في هذه الجريمة متساوية. ولم يتعرض القرار لأي ذكر للاحتلال الجاثم على الاراضي العربية في سوريا وفلسطين ولبنان منذ عام 1967 ولا الى تمرد اسرائيل على قرارات الأمم المتحدة ورفضها المستمر للالتزام بها وبتنفيذها، خاصة القرارين المشار اليهما رقم 242 ورقم 338 وكلاهما يطالبان اسرائيل بانهاء احتلالها للاراضي العربية.

وحتى الاشارة للدولة الفلسطينية فانها بدلاً من ان تأتي على شكل قرار، أو طلب من المجلس، بقيام الدولة ضمن مهلة زمنية محددة ومعروفة وعلى أرض معرّفة فقد جاءت، وضمن فقرات المقدمة، على شكل تأكيد رؤيا لمنطقة تقوم فيها دولتان.. ولم يتعرض قرار المجلس الى حدود هذه الدولة ولا الى عاصمتها ولا الى تأكيد سيادتها واستقلالها.

ويصح بالاضافة لكل ذلك التساؤل عن جدوى قرارات مجلس الأمن عندما لا يصار لتنفيذها حتى لو كانت خالية من كل عيب. ألَمْ يشر القرار الذي نحن بصدد تقييمه الى قرارين مضى على أحدهما 35 عاما وعلى الثاني 30 عاما وهما رهن التنفيذ؟.

مهما كانت مؤلمة فإن هذه هي الحقيقة التي لا مفر من التعامل معها واستخلاص منها ما يمكن الاستفادة من البناء عليه.

تظل القرارات الدولية هي السند الرئيسي لمواصلة المعركة السياسية ولاثبات الحق العربي. والقرار الحالي يضيف اعترافا قانونيا مهما كان شكله بقيام الدولة الفلسطينية. كما يرحب القرار بمبادرة عربية مهمة تنتظر النجاح لما حظيت به من ترحيب دولي واسع.

العمل على كل هذه الجبهات لازم وواجب. وبلورة استراتيجية عربية هي من أول مستلزمات العمل السياسي المؤثر. أما صمود الانسان الفلسطيني على أرضه ومواصلة نضاله لزعزعة اركان الاحتلال، وتوفر الدعم العربي لهذا الصمود، فهو رديف العمل السياسي وهو العامل الحاسم لتمكين العمل السياسي من تحقيق غاياته المشروعة.

* سفير ومندوب الأردن الدائم السابق لدى الأمم المتحدة