صانعو «أبو زبيدة»

TT

كانت الناس تضحك من انور السادات وهو يردد، بلهجته الخطابية الرنانة، ان «99% في المية من اوراق الحل في يد اميركا». وكان الظن يومها ان الرئيس المصري، الذي سيذهب الى القدس ثم الى كامب ديفيد، انما يبرر انقلاب مصر من التعاهد المطلق مع السوفيات الى الاعتماد شبه المطلق على الولايات المتحدة.

غير ان انور السادات كان يريد ان يقول، في الحقيقة، انه ما دامت 99% من اوراق الحل في يد الولايات المتحدة فان 99% من اوراق المشكلة هي في يدها ايضاً، ومع جورج بوش الابن ارتفعت النسبة لتصبح موازية لنسبة الفوز في الانتخابات العربية، اي 99.99% وربما اكثر ايضاً. فلو لم يكن شارون مدركاً سلفاً ان الموقف الاميركي لن يتعدى تأنيب ياسر عرفات على ما يرتكبه هو وضباط الصاعقة النازية، لما كان يحرك دباباته في شوارع المدن العتيقة (بالاذن من فيروز) وكأنه يقوم بلعبة «ننتندو» او يصور فيلماً سينمائياً عن دخول النازيين الى فرصوفيا. دعه يصور. فالضرر في هذه الحال هو ان ينافس هوليوود في تصوير الوحشية النازية التي كانت تحول المدن برمتها الى مدافن مفتوحة وعويل اطفال.

لا نعتقد ان ارييل شارون يفاجئ احداً. انه مخلوق يشبه نفسه بكل امانة. لكننا لا نزال نفاجأ، كل يوم، بمواقف «الأسرة الدولية». وانا شخصياً لي موقف من الاسرة الدولية غير صالح للنشر. فقد مضى علي في هذه المهنة نحو اربعة عقود، تعين عليَّ خلالها ان اقرأ او ان اسمع او ان اسافر في عالم «الاسرة الدولية» هذا، كل يوم. وما تجمع لي من قناعة ومشاعر، غير صالح للنشر.

فالسؤال طوال الايام الماضية لم يكن «اين اميركا»، فان اميركا معروف اين هي. لكن اين هو المبعوث الاوروبي السيد موراتينوس الذي في الحالات العادية لا نراه الا متنقلاً في عواصم الشرق الاوسط؟ واين هو موفد الامم المتحدة؟ واين صوت الامين العام لا يرضينا حتى بكلمة من جرابه المعبأ بكل انواع الكلام لكل انواع المناسبات، الا هذه المناسبة؟ هل الى هذا الحد يبقى صوت (وسوط) المسز اولبرايت حاضراً وامثولتها غير منسية؟ الحقيقة ان المستر بوش علمنا ان نترَّحم على المسز اولبرايت. اننا نشعر حقاً بالوحشة يا عزيزتي مادلين. فعلى الاقل كنت تحرصين على دعوة الفريقين «لوقف العنف المتبادل». اليوم، كما ترين، «العنف» ليس متبادلاً: رئيس معزول وراء الاسلاك الشائكة كما في معسكر داشاو، وحرس يعدمون برصاصة في الرأس، ومدن لا يتحرك فيها شيء سوى خراطيم الدبابات وجنازيرها والرئيس الاميركي يدعو الرئيس الفلسطيني الى وقف ... العنف، ونحن في انتظار جولة المستر توماس فريدمان المقبلة على العالم العربي، يعطينا جميعاً دروساً خاصة في الحضارة والتمدن والحوار، وخصوصاً في ادراك المعاني الانسانية للسياسات الاميركية والاسرائيلية في الشرق الاوسط.

لقد فاتنا جميعاً ان المتحدث من مزرعته (كراوفورد) في التكساس يوم السبت الماضي، هو امبراطور العالم، الجديد. الرجل الذي، منذ يوليوس قيصر، لا احد مثله يبسط سلطته الثقافية والمالية والعسكرية على كل هذه الامداء من العالم. واذ هو على هذا العرش الامبراطوري يتطلع حوله بحثاً عن حليف مثالي، فلا يجد افضل من شارون، ارييل شارون. وتفرح اميركا فرحاً عظيماً بأنها تمكنت من اخذ «ابو زبيدة» الى اراضيها، فيما يصنع لها ارييل شارون من خلال شاشات التلفزيون الف «ابو زييدة» آخر مع كل مشهد جديد.