هناك وضع مثير وغريب تمارسه الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. ومصدر الغرابة ان اميركا تدرك حجم المشكلة، وسفراؤها في المنطقة يعون خطورة ما يحدث، ويلاحظون موجة العداء المتنامي للولايات المتحدة بسبب اندفاعها غير المحدود مع شارون في جرائمه اليومية ضد الانسانية.
هناك وضع مثير وغريب في موقف بعض الدول العربية التي اختارت طريق الصمت، وتعاملت مع القضية ببرودة اعصاب منقطعة النظير، وهي تعلم مدى خطورة هذه الازمة على اوضاعها الداخلية، وتدرك ان القلوب عند الناس مشحونة، وخطورة انفجار الناس قائمة، ومع ذلك تتعامل ببرودة اعصاب مع الحدث.
هل هناك شيء كبير يتم التحضير له، هل هناك محاولة لخلط الاوراق وترك الامور تسير في اتجاه التأزم وربما الانفجار لتحقيق اهداف كبيرة تتجاوز حدود رام الله والقدس وقلقيلية، وتمتد الى سهل البقاع، والى المقاومة الوطنية اللبنانية، والى الجيش السوري في لبنان، وربما تمتد الى حرب خاطفة سريعة بالطيران المكثف لدول عربية بعضها وقع معاهدات سلام مع اسرائيل؟
اسرائيل يحكمها مجنون لا علاقة له بالسياسة ولا بالتوازنات، وتحركه ايديولوجيا متعصبة، وله تاريخ مع الدم والقتل، وربما لن يتورع عن ترحيل جماعي للفلسطينيين، ونقل الازمة من اسرائيل الى دول عربية مجاورة لها، وتوريط عواصم عربية محاذية لاسرائيل في هجرة بشرية كبيرة.
في الازمة الراهنة، يظل التحليل السياسي التقليدي غير صالح للاستعمال، فهو بضاعة انتهت صلاحيتها، فكيف يمكن تحليل واستشراف مستقبل ما يمكن ان يفعله شارون، وكيف يمكن ان نفهم مدى الموافقة الشعبية الاسرائيلية لأي عمل مجنون، وخاصة ان شارون يمثل نتاجا طبيعياً للمجتمع الاسرائيلي المتأزم الذي اوصل شارون الى السلطة عبر صناديق الانتخاب.
لقد غاب المنطق عن الازمة الراهنة، والعاقل من يرفع شعار «توقع غير المتوقع»، ويتصرف على اساس ان كل الاحتمالات مفتوحة على مصاريعها.
بعض العرب الصامتين ربما يعملون ضد انفسهم من حيث لا يعلمون، فهناك غليان واسع داخل الشعوب العربية، وهناك شعور بالاحباط قد يدفع الناس الى ممارسة كثير من الفعل السياسي العنيف والمدمر، وربما سيكون بعض المسؤولين العرب الصامتين ضحايا لخطأ ممارسة الفرجة والتعامل مع الاحداث وكأنها تتم في موزامبيق او جزر الكاريبي.
الايام والاسابيع المقبلة ستثبت اننا امام ازمة غير تقليدية، وان معالجتها والتعامل معها يجب ان يكون هو الاخر بطريقة غير تقليدية.