حرب شارون جريمة دولية

TT

تؤيد الولايات المتحدة الامريكية كل العمليات العسكرية التي تقوم بها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية، لم يأت هذا القول منا على الرغم من ايماننا بالموقف الامريكي المنحاز لاسرائيل في كل قضاياها الاقليمية والدولية، وانما جاء على لسان وزير الخارجية الاسرائيلي شيمون بيريز في التصريح الذي اطلقه اول من امس الاثنين 1 ابريل عام 2002، وتعمد ان يوضح بأن هذا التأييد الامريكي يستند الى ضرورة محاربة الارهاب الفلسطيني في داخل اقليم الشرق الاوسط، وكلفت تل ابيب بالقضاء عليه، تحت مظلة حرب الارهاب على المستوى الدولي التي تقودها واشنطون بعد احداث يوم 11 سبتمبر عام 2001.

برر شيمون بيريز هذا التكليف لها بمحاربة الارهاب الفلسطيني، بالروابط العسكرية الرفيعة المستوى بين امريكا واسرائيل الى الدرجة التي جعلت واشنطون تتخذ من تل ابيب حليفا استراتيجيا لها في اقليم الشرق الاوسط، ومن الطبيعي ان تقوم في ظل هذا الحلف بدورها في محاربة الارهاب الفلسطيني القائم في داخل الاقليم الواقع تحت مجالها الاستراتيجي بموجب الاتفاقية المبرمة بين البلدين امريكا واسرائىل التي عليها الوفاء بالتزاماتها بالوقوف الى جانب امريكا في محاربة الارهاب داخل المجال الاقليمي الذي اختيرت ان تكون فيه الحليف الاستراتيجي لامريكا.

سبق هذا التصريح الذي ادلى به وزير الخارجية شيمون بيريز اعلان رئيس الوزراء ارييل شارون عن ندمه على عدم قتل ياسر عرفات بالامس في بيروت عند اجتياح اسرائيل للبنان في عام 1982، ويعرب اليوم عن ندمه مرة أخرى على تعهده للرئيس الامريكي جورج بوش بعدم قتل ياسر عرفات عند اجتياح الجيش الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية في هذا العام 2002، ومعنى ذلك ان واشنطون كانت على علم مسبق بالعملية العسكرية التي تقوم بها اسرائيل ضد الفلسطينيين بدليل انها طلبت من ارييل شارون عدم قتل ياسر عرفات عند محاصرته في داخل مدينة رام الله، وأكد هذا الاستنتاج تصريح شيمون بيريز الذي أكد تأييد امريكا للعمليات العسكرية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين.

لم تنكر امريكا دورها المؤيد للعدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين شعبا وارضا، وانما ايدت هذا العدوان بما اعلنه وزير الخارجية الامريكي كولن باول صاحب «وعد باول» بانشاء اسرائيل الكبرى، بأن العمل العسكري الذي تقوم به اسرائيل ضد الاراضي الفلسطينية يستهدف تصفية الارهاب الفلسطيني، واخذت امريكا تسوق هذه الفكرة عالميا بعد ان حولت نفسها من اكبر دولة في العالم الى مجرد مكتب علاقات عامة دولية يدافع عن العدوان الاسرائيلي، وهذا يتضح من قول الرئيس الامريكي جورج بوش بانه يتفهم تماما موقف رئيس الوزراء الاسرائىلي ارييل شارون ويتعاطف معه في الدفاع عن وطنه من الارهاب الفلسطيني القائم الذي يتطاول على حياة الناس الابرياء.

لم يكتف الموقف الامريكي بمؤازرة العدوان الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وانما اخذت واشنطون تقدم الدعم للعدوان الاسرائيلي بالقرار الصادر عن البيت الابيض القاضي باخضاع كل المنافذ المؤدية الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية التي تحتلها لرقابة مكثفة بواسطة الاقمار الصناعية على مدار ساعات اليوم في الليل والنهار، لمنع اجتياز السلاح والمتطوعين من الرجال لدعم الفلسطينيين في قتالهم حتى تقضي على صمودهم في مواجهة العدوان الوحشي الشامل عليهم الذي بدأته اسرائيل لتعلن به رفضها لقرار مجلس الامن 1397 القاضي باقامة الدولة الفلسطينية، وعدم استجابتها للمبادرة العربية الصادرة عن القمة العربية الاخيرة في بيروت 28/27 مارس 2002 التي قال عنها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية «نحن نقبل بالتطبيع في العلاقات، ونوافق على اعادة بعض الارض، ونرفض عودة اللاجئين على حسابنا لما في هذه العودة من مساس بحقوقنا». ما اشبه ما يحدث اليوم بما حدث في البارحة فلقد قابلت اسرائيل خطة السلام العربية التي اعلن عنها مؤتمر قمة فاس عام 1982 بمحاصرة الفلسطينيين مع ياسر عرفات في بيروت، وجدت اجتياحها للبنان باحتلال جنوبه بحجة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن، ورفضت تنفيذ قرار مجلس الامن 425 القاضي بخروجها من الجنوب اللبناني فورا بدون قيود او شروط.

اذا لم تكن الاعمال العدوانية الاسرائيلية على لبنان بالامس وعلى الاراضي الفلسطينية المحتلة اليوم ليست ارهابا فإن على الولايات المتحدة الامريكية ان توضح للعالم معنى الارهاب الذي تحاربه بصورة تفرق بدقة بين الكفاح الوطني الشعبي المشروع في سبيل تحرير الارض من الاحتلال الاجنبي لها، ومن صوره الكفاح الوطني الشعبي الامريكي في اثناء حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، ومن معالمه المعاصرة الكفاح الوطني الشعبي الفرنسي ضد الاحتلال النازي في اثناء الحرب العالمية الثانية، وبين العدوان الارهابي المحرم ضد الغير، وقد عبر عنه في التاريخ الانساني اجتياح التتار والمغول لاراضي الغير بهدف فرض سيطرتهم عليها، وقامت المانيا النازية بقيادة ادولف هتلر بالعدوان على اراضي الغير في زماننا المعاصر، وكان ذلك سببا في اندلاع الحرب العالمية الثانية بوقوف الدنيا بأسرها ضد الفكر النازي الارهابي، كما وقفت الدنيا كلها ضد زحف التتار والمغول بالعدوان على اراضي الغير، واسرائيل بعدوانها على الشعب الفلسطيني تجمع بين الفكر الارهابي الذي تمثله الصهيونية بأهدافها الرامية الى السيطرة على العالم تماما، كالفكر النازي الذي كان يتطلع الى فرض سيطرته على العالم وبين الزحف الارهابي للمغول والتتار بانتهاجها المسلك الهمجي بالقتل الجماعي العشوائي للناس والسلب والنهب لممتلكاتهم لتفرض الرعب عليهم حتى تتمكن من السيطرة على اراضيهم دون ان ينزل العقاب عليها لأن امريكا تقدم لهم مظلة الحماية حتى لا يطالها العقاب الدولي الذي ردع عبر مراحل تاريخية مختلفة الزحف التتاري والفكر النازي.

يبدو ان امريكا لا تزال تواصل غيها في عدم تعريف الارهاب الذي تحاربه حتى تسقط تهمة الارهاب عن اسرائيل بوصف عدوانها دفاعا عن النفس، وتعمل في نفس الوقت على الصاق الارهاب بالعرب ويجسد ذلك موقفها المشين مع العدوان الاسرائيلي الوحشي على الشعب الفلسطيني الذي تصف كفاحه الوطني في سبيل الحرية والاستقلال بالارهاب.

لم تتراجع امريكا عن موقفها بعد ان فضحت الوثائق التي توصل اليها محققان خاصان امريكيان هما «جوفاليز» و«كورنس ماي»، قاما بهذا العمل بتكليف من الحكومة الامريكية، وأكد المحققان بخلو قوائم الركاب الاصلية الاربع من اسم عربي واحد وهو ما سبق ان قالته صحيفة «الجارديان» اللندنية، وان الجريمة على برجي التجارة الدولية في نيويورك والبنتاجون «وزارة الدفاع» ومحاولة ضرب البيت الابيض تمت بقيادة الطائرات الاربع بواسطة الرمونت كونترول من الارض، وهي تقنية توصلت اليها امريكا في بداية السبعينات بواسطة وكالة مشاريع الدفاع المتقدمة لمواجهة حركة اختطاف الطائرات وان الاخذ بهذه التقنية يلغي عمل الاجهزة بالطائرات الخاضعة لها بما في ذلك الصندوق الاسود، ووجدوا الصناديق السوداء بالطائرات الاربع خالية تماما من التسجيل وهو بحث طويل نشرته باللغة العربية مجلة «الصياد» في عددها 2993 بتاريخ 15 مارس عام 2002، وهو دليل قاطع على ان الارهاب ضد امريكا جاء من داخل امريكا ولا علاقة للعرب به.. وهذا ينفي عن الفلسطينيين الارهاب بصفتهم من العرب ويثبت حقهم المطلق في الدفاع عن النفس ويدين اسرائيل بالارهاب مما جعل البرلمان البلجيكي يقطع علاقاته مع اسرائيل بسبب اعمالها الارهابية ضد الشعب الفلسطيني.