المطلوب عربيا لدعم انتفاضة الأقصى

TT

بعد اسبوع من اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الاسرائيلي الذي زيدت سوءته بالاستفزاز والصلف، دعا الرئيس المصري حسني مبارك الى قمة عربية من المقرر ان تعقد في القاهرة غدا (السبت). ويبدو لي ان اجتماع قمة فقط ليس كافيا للتعامل مع صلف باراك وانذاراته المتكررة، ليس للفلسطينيين فقط بل ايضا لسورية ولبنان.

لذا، اقدر ان الامر يحتاج لاجتماع قاعدة عربية ايضا. اي ان تجتمع الاتحادات المهنية والعمالية العربية، ولدينا منها العشرات: اتحاد المحامين، اتحاد المهندسين، اتحاد العمال، اتحاد المعلمين.. الخ. انها منظمات المجتمع العربي المدني، وهي صوت الفئات المستنيرة، ومن المهم ان تلتقي وتنظر في ما يحدث على الارض الفلسطينية منذ اكثر من اسبوعين. اقول هذا وتنبعث من اعماق ذاكرتي مشاهد من مؤتمر لهذه الاتحادات عُقد في مقر الجامعة العربية بالقاهرة بعد نكسة يونيو (حزيران) 67، اذ يرن في ذاكرتي واذني صوت عبد اللطيف بلطية، رئيس اتحاد العمال العرب، في ذلك الاجتماع الذي قيّم حجم الهزيمة وخرج بعزيمة المقاومة وبتصميم الاستعداد لكي نسترد بالقوة ما اخذ بالقوة.

ان المواجهة العربية للمجازر الاسرائيلية المستمرة منذ انتفاضة الاقصى تتطلب اجتماع القاعدة بأعجل مما تتطلب اجتماع القمة. ولمصر في ذلك تجربة ثرة وحاسمة في تغيير آثار النكسة من الهزيمة سنة 67 الى نصر العبور سنة 73. واذا ما قدر لنا النجاح في تحقيق اجتماع القاعدة العاجل، ولو تم بعد اجتماع القمة، فلننظر إلام نتطلع وماذا ننتظر من هذين الاجتماعين؟

اعتقد ان للزعماء اجندة ومقترحات لمعالجة الموقف جرى إعدادها مسبقا. ومع ذلك، اعرض هنا اقتراحين للرأي العام العربي، ولكل من يهمه الامر، لعل النقاش يقود الى ما هو مناسب لعرضه على اجتماع القاعدة ولقاء القمة.

بيد انه من المفيد التذكير اولا بما اعقب صدمة فوز نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية في 31 مايو (أيار) 1996. فبعد اعلان ذلك الفوز، وعلى عجل، تم ترتيب قمة بين الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد والرئيس اللبناني السابق الياس الهراوي، وعقدت قمة اخرى في القاهرة ضمت سورية ومصر، وثالثة ضمت الاردن ومصر والسلطة الفلسطينية، ورابعة لمصر وسورية والسعودية، ثم واحدة ضمت الجميع. وبالرغم من كل هذه القمم مرت اول اربعة أشهر على وصول نتنياهو الى السلطة لم ير او يسمع فيها الفلسطينيون والعرب عامة الا الصلف والقمع والتنكر لكل المكتسبات ولمسيرة السلام. وكان لا بد ان يقود ذلك الى ازمة النفق (المسجد الاقصى) ويؤدي الى المجزرة التي قتل فيها العشرات وجرح المئات. وما اشبه الليلة بالبارحة. مثل هذه الانتكاسات، سواء في سلطة نتنياهو او في سلطة باراك، يحركها الاستعلاء والتحدي والصلف والجنون لتكريس الاحتلال الاسرائيلي لارض فلسطين. علاج ذلك او ترياقه المضاد شيء واحد هو ترسيخ الوحدة الوطنية، وحدة شعب فلسطين، وفي درجة أعلى وحدة الشعوب العربية. هذه الوحدة هي التي تخلق من ماكينة الشعب الاعزل، ايديه وحجارته، السلاح الذي يهزم الترسانات الحديثة. لقد شهدنا ذلك من قبل، ولن ننسى اعجاز انتفاضة الحجارة عندما انفجرت في ديسمبر (كانون اول) 1987، وما جرى امام اعيننا في مناطق السلطة الفلسطينية في اواخر سبتمبر (ايلول) 1996.

واعود الى الاقتراحين الهادفين الى اجبار المعتدي الاسرائيلي على وقف مسلسل اعتداءاته وانهاء احتلاله ودفع ثمن ما اقترف في حق شعب فلسطين. الاقتراح الاول: دعوة جميع الشعوب العربية الى الوقوف وقفة رجل واحد في ساعة واحدة يتوقف خلالها الجميع عن العمل، ويشاركون في مظاهرة تضامن مع الفلسطينيين من اجل انهاء الاحتلال واستعادة الحقوق وقهر الهيمنة والظلم، ووضع حد للاستهانة بهم، وليكن ذلك على مدى ساعة واحدة (نفس الساعة) ونقترح الساعة العاشرة صباحا بتوقيت جرينتش في اي يوم عمل من الاثنين الى الاربعاء وبأسرع ما يمكن. ساعة واحدة يتوقف خلالها كل شيء، بما في ذلك ارشاد الطائرات والبواخر. ساعة واحدة تتوقف فيها كل حركة على الارض او في الاجواء او البحار، الا حركة المظاهرة المتضامنة مع الفلسطينيين. الاقتراح الثاني: لما كانت اسرائيل هي اليوم الدولة الوحيدة في العالم التي تحتل اراضي بلاد اخرى ولعشرات السنين، ولأنها تجاهلت كل قرارات الامم المتحدة التي طالبتها بانهاء احتلالها لاراضي الغير، وخصوصا القراران 242 و 338 الصادران عن مجلس الامن القرار سنة (1967) وسنة (1973) واللذان يأمران اسرائيل بالانسحاب من كل الاراضي العربية التي احتلتها عام 1967، ونظرا لأن اسرائيل لم تمتثل لامر الشرعية الدولية، ثم انها ماطلت في عملية السلام وعطلتها، من مدريد الى اوسلو، فواشنطن، ثم شرم الشيخ الى كامب ديفيد... ثم شرم الشيخ مجددا، وطوال هذه السنوات استمر تحدي اسرائيل وصلفها وتصعيدها للاعتداء وقتل العزل في الاراضي المحتلة، ولما كان استمرار الاحتلال وتطور الاعتداء الاسرائيلي قد وصل الى مستويات تنذر بتهديد السلام في كل منطقة الشرق الاوسط وبدرجة ترقى الى تهديد السلام العالمي، فإن الدول العربية (وخصوصا مصر والاردن اللذان كانا مسؤولين عن قطاع غزة والضفة الغربية قبل حرب 67) يمكنها مطالبة مجلس الامن باصدار قرار يتضمن اتخاذ الاجراءات والخطوات اللازمة لاخراج اسرائيل من الاراضي الفلسطينية بالقوة. ان هذا هو جوهر اقتراح مشروع القرار، غير انه يجوز لأسباب تتعلق بالتعقيدات المحيطة بموقف وتاريخ هذه القضية المزمنة، النظر في اعطاء محادثات السلام فرصة اخرى تمتد لشهرين يُلزم مجلس الامن حكومة اسرائيل خلالها باجراء مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية ينتهي بها الاحتلال في فترة لا تزيد على ستين يوما من تاريخ اصدار القرار.

هذا ما رأيت انه مناسب ومطلوب ان يصدر عن اول قمة للعرب في الالفية الثالثة. ويبقى ان ندعو الله ان يوفق قادتنا، فقد تكون معارك هذه الايام وادارتهم (جميعا) لها هي فرصتنا الاخيرة لقهر الظالمين.

* خبير بيئة في الامم المتحدة