مرحلة العبور إلى المنطق

TT

المطلوب بعد الايام العاصفة والدموية التي عاشتها منطقة الشرق الأوسط، ان يعود المنطق الى التحكم في مجرى الأمور.

من المؤكد ان الانفجار الفلسطيني الأخير سيسرّع في احلال السلام الحقيقي. لقد أثبت الفلسطينيون انهم يستحقون دولة مستقلة وأدركت اسرائيل ان المماطلة لن تؤدي إلا الى مزيد من العنف، وهذا ما لا تستطيع ان تتحمله. منذ مؤتمر مدريد، أو بالأحرى منذ اتفاقيات أوسلو، استمتع الاسرائيليون بثمرات الجنوح العربي، وبالذات الفلسطيني نحو السلام، فعاشوا انفتاحا اقتصاديا على العالم، وعلى الدول العربية، وحصل الاسرائيلي على مدخول سنوي فردي اشعر الاميركي نفسه بالحسد والغيرة، وتمتعوا باحترام العالم واعجابه وكادوا ان يحصلوا على مصداقية حقيقية، في حين ان اغلبية فلسطينيي الداخل لم يشعروا بفرق حقيقي يميز حياتهم ما بين رحلتي الاحتلال والانسحاب الجزئي. وقد لا يكون الحق على اسرائيل بل على رجال السلطة الذين صاروا يوصوفون بعد «الانتفاضة الثانية» بالواح الثلج الخائفة على ممتلكاتها المستجدة ان تذوب.

اطفال وشباب الحجارة لا يملكون ما يخسرون في حين يملك افقر اسرائيلي منزلاً وسريراً وجهاز تلفزيون وسي. دي ووظيفة.

من هنا، فان السلام الحقيقي سيأتي بأسرع مما نتوقع بعد الذي جرى. وقد بدأ الحديث عن احتمال استئناف مباحثات السلام بين الفلسطينيين واسرائيل خلال شهرين.

لذلك، فحتى لو رغب الفلسطينيون في استمرار الانتفاضة فلتكن انتفاضة سلمية ليؤكدوا انهم يريدون السلام. فالحرب ـ حتى ولو لن يكسبها أحد ـ لن تنفع احداً ثم ليس مطلوبا من المتظاهرين الفلسطينيين ان يهدفوا الى احراج الدول العربية، فبعض زعمائنا محرجون سلفاً، وبعضهم خفيفو الظل. فها هو العقيد القذافي يذيع البيان النهائي للقمة العربية ويشكر الدولة المنظمة وليت وزير خارجية مصر عمرو موسى لم يرد ولم يوضح ولم يبرر. الوضع خطير وعلينا ان نحكم المنطق والعقل. لقد اعطى بعضنا للعواطف مجالات بعيدة وكشفت قمة شرم الشيخ ان سيطرة كل من شارك فيها محدودة، والخطر يحيط بالجميع، لا سيما الاردن ومصر. والاسبوع الماضي اعترفت الولايات المتحدة بحدة الاوضاع لدرجة انها لأول مرة لم تستعمل حق النقض بالنسبة الى قرار دولي يدين لجوء اسرائيل الى استعمال القوة العسكرية ضد الفلسطينيين، وفضلت ان تمتنع عن التصويت. ثم يجب ان ندرك ان الجهود من اجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط هي جهود مشتركة ما بين الولايات المتحدة والزعماء العرب. لقد كانت الدول العربية الحليفة لواشنطن معروفة، لكن علينا ان نعترف انه لم تعد هناك دولة عربية تناصب العداء العميق للولايات المتحدة. قد يكون العراق معادياً لها، لاسباب واضحة، لكن هذا لا يعني ان الرئيس العراقي صدام حسين لا يتمنى ان يصغي اليه الاميركيون، وما موقفه «القتالي» الآن الا مزايدة ورغبة في احراج الدول العربية المجاورة للعراق، هو موقف للتسويق الداخلي. اما ليبيا فانها مالت مؤخرا الى الغرب، ثم اننا لا نعرف مدى ثبات العقيد في تطلعاته، فالوحدة الأفريقية التي أوحى انه يعمل لتحقيقها فرطت بطرده آلاف العمال الأفارقة، رغم ان أول من فك الحصار عنه كانت الدول الأفريقية الفقيرة، ونتذكر كذلك طرده العمال المصريين والفلسطينيين.

على كل، هل تستطيع الحكومات العربية ان تستغل علاقات الصداقة التي تربطها بواشنطن وتقنعها في ان تعتمد سياسة اقل انحيازاً لاسرائيل؟

الادارة الحالية انتهت، واي تغيير حقيقي لا بد ان ينتظر وصول رئيس اميركي جديد، ونرجو ان يكون جورج بوش.