ما لم يحدث في شرم الشيخ

TT

الهدف الأساسي الذي سعى من أجله الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وتجشأ عناء السفر لتحقيقه في قمة شرم الشيخ، هو انتزاع اتفاق يعزز من مكانة، وسلطة وقدرة رئيس الوزراء إيهود باراك، ولا يخفي الأميركيون حرصهم على «إنقاذ» باراك، ودعمهم لاستمراره، وفاء للعلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين، وإدراكا لمخاطر انهيار كامل للنظام في إسرائيل، إذا تأزم الوضع الداخلي، وانزلق باتجاه حرب أهلية، أصبحت واردة في ظل عدم استقرار الوضع الأمني، وتردي الحال الاقتصادي، وهي ذاتها التي أسقطت سلفه بنيامين نتنياهو، وجاءت بالأول على خلفية وعود طويلة، أولها ضمان أمن المستوطنات، والمستوطنين، وتحقيق رخاء اقتصادي من وراء اتفاقات السلام في المنطقة، وتوجيه الموارد المالية لتنمية قطاع الخدمات، وتنفيذ الوعود الخاصة التي قدمها للفئات المختلفة من المجتمع، ولهذا يظهر دائما أنه حريص على الوصول إلى سلام دائم مع الفلسطينيين، إذ أن ذلك سيطلق يد الرئيس الأميركي لتقديم الدعم المالي الذي طلبه باراك ثمنا لإعادة جزء من حقوق الفلسطينيين لهم، والأميركيون يعرفون ذلك، ويدركون أن الحفاظ على تماسك المجتمع الإسرئيلي يعتمد بشكل كبير على الازدهار الاقتصادي، وتوجيه المعونات الأميركية للانفاق على المجتمع، وليس الجيش، ويراهنون على أن إحلال السلام في المنطقة، سيوفر فرصا للنمو الاقتصادي، تستفيد منها إسرائيل بدرجة أولى، والدول المجاورة لها بدرجة أقل، لكنها تكفي لحفظ الوجود، ومنع مخاطر زوال المناطق العازلة لإسرائيل من القوى المتمردة في المنطقة.

وللأميركيين الحق في ما يعتقدون، إلا أن عليهم النظر لمطالب الطرف الآخر في المنطقة بذات المنطق، والعمل مع الشركاء الذين اختارتهم لمشاطرة عرفات «سلام الشجعان» بذات التفهم لظروفه الداخلية، واحتياجات المجتمع الذي يمثله.

الانتفاضة ليست ضد السلام المفروض على الشعب الفلسطيني، ولكنها ضد النتائج التي ترتبت عليه، فقد أطلقت يد القوة الإسرائيلية للتحكم في حركة المجتمع، وجميع شؤون حياته، وتجويعه، وهو الذي ليس لديه بديل، أو خيار سوى الخروج للشارع، والاحتجاج على الوضع المتردي الذي يعيش فيه، وكان يمكن لقمة شرم الشيخ أن تحقق نجاحا مقبولا لو أنها قدمت للشعب الفلسطيني تعهدات بالحماية من الرصاص الإسرائيلي، ووعود بالنظر في احتياجاته من الخدمات الصحية، والغذائية، والاجتماعية.

انتفاضة الشارع الفلسطيني ليست تأييدا لحماس، وضد السلطة، لكنها ضد تقييد حياتهم باتفاقات طوقت أعناقهم بالخوف من التعاون الأمني لاعتقالهم في أية لحظة، والحد من حركتهم حتى في مناطقهم، والتي كانوا يتنقلون بينها قبل تلك الاتفاقات من دون المرور بالمعابر، والحصول على أذونات للذهاب والعودة.

بل ان الاتفاقات أضافت حواجز أخرى على مصادر رزقهم، إذ أن فشل جولة من المفاوضات، يعني إغلاق المعابر، ومنع العمالة الفلسطينية من الوصول لمواقع عملهم في الأراضي الإسرائيلية، ومنتجات الضفة، والقطاع من التسويق في السوق.

إن ما لم يحدث في قمة شرم الشيخ أن الرئيس الأميركي لم ينظر للرئيس الفلسطيني بذات الإدراك للواقع الذي يواجهه باراك، وضرورة تقديم دعم سخي للرئيس عرفات لتهدئة الشارع في الأراضي المحتلة، وأقلها، ولو على سبيل المجاملة، أو التعبير عن شيء من التعاطف، توجيه هيئات، ومنظمات التعاون أو التنمية الأميركية للعمل مع الفلسطينيين لتوفير الدواء، والغذاء، والكساء لجرحى، وأهالي ضحايا الانتفاضة.