أريد إشراككم في حواري مع بوش

TT

يسعدني أن أتحدث إلى الأمة العربية عبر صفحاتكم فور عودتي من الولايات المتحدة. فلقد شملت مباحثاتي مع الرئيس بوش عددا من الموضوعات الهامة التي تخص الأمة العربية جمعاء. ولهذا أنتهز الفرصة لإشراككم في هذا الحوار. فلَطالما اعتزت بريطانيا بعلاقاتها الحميمة مع العالم العربي ولذلك يجب علينا أن نشرح لكم وجهة نظرنا ليس فقط لحكومات المنطقة ولكن أيضا للشعوب العربية.

أعلم جيدا أن الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط هي محور اهتمامكم، فما يحدث كفيل بكسر أقسى القلوب وأغلظها. وأي فرد في أي مكان من العالم لديه مثقال ذرة من الإنسانية ويشاهد الأحداث وهي تتابع على شاشات التلفزة ينادي المجتمع الدولي أن يتدخل. واسمحوا لي أن أشرح كيف يمكن لنا بل كيف يجب علينا أن نمد يد العون.

إن انجح أسلوب للضغط هو أن نحاول جمع الطرفين مرة ثانية لأن اجتماعهما معا من دون تدخل أضحى أمرا غير ممكن. ثُم نحدد أولا الخطوات التي تشكل الحد الأدنى المقبول لكليهما لتحقيق الأمن والتي هي خطوات ضرورية لاستعادة الثقة بينهما. ومن ثَمَّ تتهيأ الفرصة لوضع يسمح ببدء الحوار السياسي الفعّال. وعلى الرغم من بشاعة الأنباء ـ وإنه حقا لمأساة ما يدور هناك الآن ـ فهناك بصيص أمل (إذا ما جاز لنا أن نقول ذلك) يتمثل في الإجماع الكبير على القبول بحق كل من دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية في الوجود والعيش جنبا إلى جنب حيث أنه لن يكون هناك حل آخر في نهاية المطاف. لن يترك الفلسطينيون ولا الإسرائيليون مكانيهما ولذلك يجب أن نتوصل إلى حل يسمح للطرفين بالعيش معاً.

ولقد كانت لنا تجربة مماثلة في آيرلندة الشمالية، فمازلت أتذكر فترة السبعينيات حيث كانت هناك سلسلة من الانفجارات راح ضحيتها العشرات من القتلى. صحيح أن تلك الأحداث لا يمكن مقارنتها من حيث الحِدّة بما يدور الآن في الشرق الأوسط ولكنها كانت أيضا أحداثا روعت الشعب البريطاني. فلمدة عشرين عاما استمر الجمهوريون وعناصر أخرى من القوميين الآيرلنديين في حملتهم الإرهابية وقابلنا ذلك بإجراءات مضادة وانتقامية حيث كنا على يقين آنذاك أن أولئك ليسوا إلا شرذمة من الإرهابيين الذين لا يستحقون إلا القمع والإخضاع بيد القانون الصارمة. ولكن في النهاية اتضح للجميع أن القمع سعيا لاستتباب الأمن ليس هو الحل للحصول على الأمن والأمان وإنما الحل هو العمل السياسي.

وبالمثل بالنسبة للشرق الأوسط. فبالرغم من أهمية تحقيق الأمن والأمان يجب أن تكون هناك عملية سياسية يمكن من خلالها تسوية الأسباب الأساسية للصراع وهذا هو ما يجب أن يحدث فوراً. وفي رأيي كلما أسرعنا في بدء هذه العملية السياسية كان ذلك أفضل للطرفين.

وكما قلت في خطابي الذي ألقيته في نهاية زيارتي للولايات المتحدة: هناك أمر أساسي في الوقت الراهن وهو أن تقبل كل أطراف النزاع بالمبدأين الأساسيين للوصول إلى تسوية نهائية في الشرق الأوسط، وهما حق إسرائيل في الوجود الآمن دون تهديد من العالم العربي في مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة للشعب الفلسطيني مع وقف فوري لإطلاق النار يسمح للعملية السياسية بالمعاودة إلى نشاطها.

ويمكن مراقبة تنفيذ قرار وقف إطلاق النار وكذلك التأكد من أن كلا الطرفين ملتزمان بتعهداتهما حيث أننا وأطرافا أخرى على أتم استعداد للمساعدة على تحقيق ذلك بكل ما يمكننا. أنا أدرك اعتراضات إسرائيل القوية على التدخل الخارجي في هذا الأمر ولكن عندما يكون الوضع بهذا السوء فلابد من التدخل الخارجي للمساعدة على إرساء القدر الأدنى اللازم من الثقة لكي يصبح تحقيق الأمن لإسرائيل بندا قابلا للتحقيق على جدول الأعمال وبشكل واقعي. فبدون وقف فعال لإطلاق النار لا يمكننا أخذ الخطوات الأولى تجاه تحقيق الأمن.

كما أرحب بمبادرة السلام التي أطلقها سمو الأمير عبد الله ولي العهد السعودي حيث أنني أعتقد أنها إذا ما ترافقت مع وقف لإطلاق النار، يمكن دمج المبادئ التي نصت عليها المبادرة في قرار آخر يصدره مجلس الأمن الدولي كأساس للمضي قدما في العملية السياسية. وأكرر بهذا الصدد أنني تعلمت من المسألة الايرلندية الشمالية أنه لابد أن تكون هناك رؤية شاملة لحل النزاعات كرؤية الأمير عبد الله تصاحبها الخطوات العملية الصغيرة لكي نصل إلى الطريق المفضي للسلام.

وبالإضافة إلى الوضع الراهن في الشرق الأوسط ناقشت مع الرئيس بوش موضوع أفغانستان التي رزحت تحت حكم الطالبان لسنوات طويلة وحيث دعم نظام طالبان شبكة القاعدة الإرهابية وقام على أساس من تجارة المخدرات وتصدير الإرهاب. فما حدث في شوارع نيويورك يوم الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) لم يكن هجوما على أميركا فقط وإنما كان هجوما علينا جميعاً. ولحسن الحظ فإن العالم كله وقف وقفة حاسمة. وتولت أميركا قيادة تحالف دولي واسع النطاق لم يسبق له مثيل حيث خفت دول العالم للمشاركة في هذا التحالف وحيث تصرفنا بحكمة تحت القيادة الشجاعة للرئيس بوش. والآن اختفى نظام طالبان كحكومة وتم القضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان رغم وجود بقايا لبعض عناصره حيث يجب علينا الاستمرار في الحذر. والآن يشعر الافغانيون أنهم أحرار وعلى الأقل أمامهم فرصة لمستقبل أفضل.

ولكن علي أن أحذر من خطر نسيان وقائع 11 سبتمبر وذلك لأن بني البشر سرعان ما يتعافون من المآسي وتبهت الذكرى المؤلمة في أذهانهم.

وأكثر الدروس وضوحاً هو حاجتنا المتبادلة لبعضنا البعض. فبغض النظر عن الشعور بالخطر والصدمة في أعقاب 11 سبتمبر وتأثير ذلك الحدث على التجارة والاقتصاد في كل العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط ،التي تعرض اقتصادها لصدمة عنيفة، بدأت تعود الثقة إلى الأسواق بعد هروب الإرهابيين وبعد الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة بقيادة كوفي أنان منذ 11 سبتمبر.

لذلك يجب أن نكون مستعدين للقيام بعمل عندما يواجهنا تهديد من أسلحة الدمار الشامل أو الإرهاب. فالمعركة ضد ظاهرة الإرهاب الدولي إنما هي معركة مشروعة ولابد أن نواصلها بإصرار ليس فقط في أفغانستان ولكن في أي مكان آخر. ولا تكون هذه المعركة بالوسائل العسكرية فقط وإنما أيضا عن طريق قطع قنوات التمويل التي تمول الإرهاب، وتعقب وسطائه وأولئك الذين يمولون تجارة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل.

وقد أنجزنا الكثير منذ الحادي عشر من سبتمبر ولكن يجب أن يستمر هذا الجهد. وإذا لزم الأمر يجب أن يكون هذا الجهد عسكريا ويجب أن ينظر في تغيير نظام حكم ما إذا ما تحتم ذلك أو توافرت له المبررات الكافية. وقد سبق لي واشتركت ـ كرئيس لوزراء بريطانياـ في ثلاث معارك أدت إلى تغيير ثلاثة نظم للحكم وهي نظام ملوشيفيتش ونظام طالبان ونظام الحكم الظالم في سيراليون حيث تمكنا من إنقاذ شعب قوامه ستة ملايين نسمة من براثن شرذمة من المجرمين أطاحوا حكومة ديمقراطية منتخبة.

وتفتخر بريطانيا كل الفخر بالدور الذي لعبته قواتنا المسلحة والنتائج التي حققناها في سيراليون، ولكن يمكن أن أقول بمنتهى الصدق أن أكثر من فرح بهذه الإنجازات كان شعب سيراليون الذي رزح تحت ذلك النظام حيث يجب ألا ننسى مطلقا أن هؤلاء كانوا هم الضحايا الحقيقيين. فسأظل أذكر على الدوام يوم مروري خلال القرى المتاخمة لفري تاون عاصمة سيراليون وأنا أرى الناس (ومعظمهم من المعوقين الذين فقدوا أطرافهم بسبب النظام الوحشي الذي تم تحريرهم منه) أراهم يحتفلون بفرح غامر لأنهم أصبحوا أحرارا يمكن لهم أن يتناقشوا ويتجادلوا ويصوتوا كيفما شاءوا. وبالطبع فإنه ليس بمقدورنا التدخل في كل الحالات ولكن عندما يتعلق الأمر بدول ضالعة في الإرهاب أو إنتاج أسلحة الدمار الشامل فيجب علينا ألا نتخاذل في مواجهتها. وسنطرح على بعض تلك الدول حلولا للخروج من ذلك المأزق وهي حلول تحفظ لتلك الدول مصداقيتها وعزتها. كما أتمنى أن تقبل دول مثل سوريا وإيران وكوريا الشمالية في الوقت المناسب أن هناك حاجة لأن تغير علاقتها بالعالم الخارجي تغييرا جذريا حيت نعرض عليهم علاقة جديدة معنا ولكن يتعين عليهم أن يعلموا أن دعم الإرهاب أو أسلحة الدمار الشامل أمران غير مقبولين على الإطلاق.

أما بالنسبة للعراق فأنا أعلم أن البعض قلقون من احتمال اتخاذ إجراء متسرع تجاهه. وأود أن أطمئن هؤلاء أن لا داعي للقلق لأننا سنتعامل مع الموقف بنفس الهدوء والتأني والحرص كما فعلنا في أعقاب 11 سبتمبر. ولكن ترك العراق يواصل إنتاج أسلحة الدمار الشامل إنما هو خرق لتسعة قرارات لمجلس الأمن الدولي على الأقل ولذلك سنتعامل معه بنفس الحزم. إن رفض العراق السماح للمفتشين الدوليين العودة لأداء مهمتهم كما ينبغي لهم أمر غير مقبول. كما أن نظام صدام حسين نظام كريه يتصف بالوحشية والقمع لكل معارضيه السياسيين حيث يعذبهم أو يقتلهم. إنه أيضا نظام لا يشعر بأي ذنب في إهدار أرواح مواطنيه في سبيل الحفاظ على نفسه ولا يلقي بالا لإشعال الحروب بينه وبين جيرانه أو استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.

ولكني أؤكد أن لحظة أو كيفية التعامل مع هذا النظام لم تحن بعد. ولكني أكرر أن السماح لدولة كالعراق بتطوير اسلحة الدمار الشامل دون قيد أو شرط يعد تجاهلا كاملا لعظات 11 سبتمبر ونحن لن نقع في هذا الخطأ. ورسالتنا لصدام واضحة حيث يتحتم عليه أن يسمح بعودة المفتشين الدوليين أيا كانوا وفي أي وقت وأي مكان يحدده المجتمع الدولي.

وأخيرا أقول انه في بعض الأحيان ينتقد العالم العربي بريطانيا بسبب قربها من الولايات المتحدة وهناك بعض الأصوات التي تنادينا بإظهار خلافاتنا في الرأي مع أميركا. ولهؤلاء أقول إن المصلحة الدولية تتحقق بشكل أفضل عندما يقف الاتحاد الأوروبي جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة فبدون الوقوف معا لم يكن ليتسنى لنا انقاذ مسلمي يوغوسلافيا من ميلوشيفيتش ولم يكن ليتسنى لنا انقاذ شعب الكويت من الغزو العراقي او الشعب الافغاني من طالبان. لذلك آمل في انه بامكاننا التوصل لحل للأزمة الحالية في الشرق الأوسط معا والمساعدة على بناء دولة فلسطينية مستقلة فاعلة تتعايش في سلام مع جارتها اسرائيل.