كسب المعركة

TT

يحتاج وزير الخارجية الاميركي كولن باول الى معجزة لتحقيق اي نجاح في جولته الحالية في اتجاه تهدئة الاوضاع بعد الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون امس، والذي لم يكتف فيه باعلان استمرار سياسة التوغل في الاراضي الفلسطينية وتحدي طلب واشنطن ببدء الانسحاب الاسرائيلي، وانما ايضا اقامة مناطق امنية بعد الانسحاب من الضفة الغربية، اي اقامة وجود دائم.

وعمد شارون ايضا الى تقوية اليمين المتطرف داخل حكومته بادخال حزبين متشددين الى الائتلاف احدهما معروف بتبنيه مسألة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية بما يعني اننا امام ائتلاف اسرائيلي عقيدته السياسية يشكلها فكر متطرف توسعي مستعد لاشعال حروب في سبيل تحقيق اهدافه.

وبذلك وضع شارون سياسة الادارة الاميركية التي طالبته بفهم الرسالة والبدء في سحب قواته الان وليس غدا امام اختبار مصداقية كبير في الشرق الاوسط، كما وضع العالم والقوى ذات التأثير فيه امام اختبار اخلاقي وسياسي لا تستطيع فيه ان تتجاهل مسؤولياتها تجاه حماية الشعب الفلسطيني ووقف التدهور السريع الحادث للاستقرار في منطقة الشرق الاوسط المفتوحة الان على كل الاحتمالات.

وقد تكون الخسائر الفلسطينية عالية في الحملة الاسرائيلية الاخيرة ومعاناة الشعب قاسية، اضافة الى الدمار الذي لحق بالسلطة الفلسطينية ومؤسساتها، لكن الخسائر الاسرائيلية عالية جدا هي الاخرى في الجانب السياسي والاخلاقي وترتفع كل يوم بفضل العقلية المتصلبة والعمى السياسي الذي تتمتع به الحكومة الاسرائيلية الحالية.

فاليوم تواجه اسرائيل تهديدات بفرض عقوبات اوروبية عليها، بينما صدرت قرارات من مجلس الامن تؤكد حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وتدعو الى انسحاب اسرائيلي من الاراضي المحتلة، بينما تظهر بوادر تململ متصاعد داخل الادارة الاميركية من ان الحملة الاسرائيلية الحالية مضت بعيدا جدا بما يهدد الاستقرار الاقليمي والمصالح الاميركية نفسها.

وهذا التطور في الموقف السياسي يحتاج الى حكمة من الجانب العربي في التعامل معه للاستفادة من التعاطف الدولي الذي يتطور يوميا مع الشعب الفلسطيني وفضح النيات الحقيقية لشارون الذي يريد قتل السلام نهائيا بهدف تحقيق اهدافه الاصلية في توسيع الاستيطان.

وهذا يعني العمل على اكثر من جبهة اهمها تطوير الموقف الاميركي من خلال الحوار مع واشنطن من اجل تصعيد الضغط على اسرائيل للانسحاب من الاراضي الفلسطينية. وكذلك العمل مع كل الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي من اجل الوصول الى توافق دولي لاستصدار قرارات من مجلس الامن الدولي بفرض عقوبات على اسرائيل في حالة عدم انصياعها للارادة الدولية، والبحث في وسائل تقديم الحماية للشعب الفلسطيني عن طريق ارسال قوات دولية تفصل بين الجانبين. في الوقت ذاته يجب ان تكون هناك رسالة واضحة لانصار السلام في اسرائيل الذين انكمشوا هذه الايام بان اليمين المتطرف اختطف مجتمعهم ويقودهم في طريق مفروش بالدم والكراهية والانتقام المتبادل لاجيال عديدة قادمة.

والعرب والفلسطينيون قادرون على كسب هذه المعركة السياسية بشرط ادارتها بشكل صحيح والعمل من خلال المجتمع الدولي ومنظومته السياسية والاخلاقية، وعدم ارتكاب الاخطاء تحت وطأة الانفعال والمزايدات، وترك الاخطاء لشارون وهو لن يخذلهم لانه محترف في ارتكابها.