الذين ينتقدون مصر والأردن.. هل فكروا في العواقب؟

TT

الذين يطالبون مصر والاردن بقطع العلاقة مع اسرائيل لم يحسبوها جيدا. لم يشرحوا للقاهرة ماذا عليها ان تفعل بعد ذلك، فبعد القطع تصبح اتفاقية السلام لاغية، وبعد ان تلغى سيصبح كل ما ارتبط بها معرضاً للالغاء، مثل سيناء التي تعادل مساحتها ضعف مساحة فلسطين، وآبار بترولها التي تعتبر الدخل الثاني لمصر، وقناة السويس التي تمثل نفوذا ومصدرا ماليا للبلاد، اضافة الى المساعدات الاميركية التي تبلغ نحو ملياري دولار سنويا وهي اكثر مما تحصل عليه كل الدول العربية مجتمعة من كل الجهات المعنية في العالم، اضافة الى اضطرار مصر الى رفع انفاقها على التسلح والجيش استعدادا لعودة المواجهة العسكرية وهذه ستكون مشكلة مالية خطيرة، فهل لدى احد من الذين يتحدثون بعواطفهم ان يقولوا لنا بعقولهم ماذا على الحكومة المصرية ان تفعل في وجه تبعات الغاء الاتفاق بمخاطره؟ وكيف يمكن الإضرار بالمواطن المصري او الاردني ان يفيد الانسان الفلسطيني؟

انه ليس من عتب على الغاضبين ان يغضبوا بسبب ما يفعله الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، لكن العتب هو على الذين يدركون خطورة الاوضاع وما قد تؤدي اليه قيادتهم الجماهير نحو مطالب غير معقولة. فمحاولة اجبار مصر وكذلك الاردن على العودة الى ما قبل اتفاقات السلام الموقعة مطلب غير معقول لسببين بديهين; اولهما انه لا طائل عسكريا من وراء ذلك فاسرائيل اقوى من كل الدول المحيطة بها، وثانيهما انه ليس من مصلحة المصريين ان يخسروا كل هذه الحقوق ويتورطوا في وضع عسكري معلق. قوة مصر هي في الا تغرق سياسيا واقتصاديا وعسكريا فتبقى سدا امام اسرائيل للمستقبل وتظل دولة توازن بين حاجاتها الداخلية ونفوذها السياسي الخارجي دون ان تدفع ثمنا لواحد على حساب الآخر.

وعندما نتحدث عن خطورة الانجرار وراء الانفعالات العاطفية علينا ان نتذكر ما حدث خلال الاشهر القليلة الماضية التي اعقبت احداث الحادي عشر من سبتمبر. فالهجمات التي اصابت نيويورك وواشنطن تسببت في ضرب السياحة والاقتصاد المصري، كما اصابت دولا اخرى ايضا. النتيجة ان الجنيه المصري هبط ثمنه ودفع كل مواطن مصري بلا استثناء الفرق من جيبه. عمليا خسر كل مواطن مصري نحو خمس راتبه بسبب التأثيرات الخارجية التي شلت السياحة والحركة التجارية الخارجية مع الغرب. ولولا التحرك الرسمي المصري لبلغت الاوضاع الاقتصادية حدا اكثر سوءا حيث تمكنت الحكومة من اقناع دول اجنبية مانحة بالحصول على نحو عشرة مليارات دولار في شهر فبراير الماضي وبالتالي اسعفت اقتصادها واعادته للوقوف على اقدامه.

الذين يطالبون الحكومة المصرية بالتصعيد الدبلوماسي والسياسي هم في الحقيقة يعيدون اجواء عام 1967 وما اشبه الليلة بالبارحة. فبسبب الضغوط السياسية اضطر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ارضاء نقاده فأمر بابعاد قوات الامم المتحدة الفاصلة بينه وبين اسرائيل واعلن عن اغلاق المضائق المائية من اجل تهدئة الخواطر على الضفة العربية الاخرى الى حين يتدبر امره سياسيا او عسكريا. لكن اسرائيل التي دفعت الامور نحو التوتر، كما تفعل اليوم، كانت تبيت النية لما هو اكبر من التهديد الكلامي، حيث استولت قواتها على كل سيناء والممرات وسدت القناة واحتلت بقية القدس والضفة الغربية وغزة والجولان، وشرد مئات الاف الفلسطينيين وعاش العرب مأساة تدميهم حتى هذا اليوم حتى صار كل املهم هو استرجاع ما خسروه في تلك الحرب. وها هي الظروف تعيد نفسها اليوم، فعواطفنا جياشة والميزان العسكري لصالح اسرائيل قادر على كسب الحرب الليلة لو قامت. اذ كيف يطالب الناس مصر او الاردن بارتكاب حماقة ثانية، بالدخول في معركة خاسرة؟ ليس من صالح الفلسطينيين ان تضعف مصر او الاردن لان في ذلك اجهازا على القضية الفلسطينية تماما حيث سينشغل العرب بعدها لحل مشاكل المصريين والاردنيين.