احتمالات مرتقبة لزيارة باول

TT

يصل كولين باول وزير خارجية أميركا الى المنطقة مندوبا عن الرئيس الأميركي جورج بوش بعد خمسة عشر يوما تقريبا من انتهاء مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت، واجتمعت فيه كلمة القادة العرب على تأييد مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي وتقديمها الى الهيئات الدولية باعتبارها مبادرة عربية للسلام.

يأتي كولين باول الى المنطقة ليجد واقعا جديدا لم يشهده في زياراته السابقة، مغايرا لما كان متوقعا من رد على مبادرة السلام العربية، وهو واقع مؤلم رسم خطوطه رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون واقدم على تنفيذه باستهتار غريب متحديا كل القيم والقوانين الدولية مستندا الى تحالف الليكود الذي يشكل وزارته ويضم اكثر العناصر تطرفا وايمانا بالصهيونية التوسعية.

ولا شك ان اندفاع شارون في الهجوم على رام الله بعد ساعات من تقديم المبادرة العربية للسلام قد اكد موقفه المعادي للسلام والرافض لاتفاقيات السلام الموقعة بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية والمنسجم مع رفضه لاتفاقيات أوسلو، ومحاولة فرضه نوعا من الاستسلام الفلسطيني الذي يحقق من وجهة نظره سلاما تقبله اسرائيل.

وموقف شارون يستند الى جانب العناصر اليمينية المتطرفة والمتجمعة في وزارته الى موقف الرئيس جورج بوش، وكلاهما لم يستقبل ياسر عرفات منذ تولى السلطة، وقد وضح ذلك في تصريحات الرئيس جورج بوش التي اعقبت اندفاع شارون في عدوانه واقتحام مدرعاته وجنود الجيش الاسرائيلي للمدن والقرى الفلسطينية، والتي لم يجد تعليقا عليها سوى قوله انه متفهم لما تقوم به الحكومة الاسرائيلية دفاعا عن نفسها.

وثبت بوش عند هذا التصريح المثير لمدة اسبوع قبل ان يعلن ايفاد كولين باول الى المنطقة وهو أحد أركان الادارة الأميركية الذين يتفهمون حقيقة الموقف في منطقة الشرق الأوسط منذ شارك كرئيس اركان حرب قوات التحالف الدولي التي تجمعت لوقف الغزو العراقي للكويت، والذي يعتبر معتدلا في آرائه ومواقفه على خلاف وزير الدفاع رامسفيلد.

والصورة الجديدة للمنطقة التي سوف يشاهدها كولين باول تختلف تماما عن صورتها خلال زيارته السابقة لها، والرئيس ياسر عرفات محدد الاقامة في غرفتين وغير مسموح له بمقابلة أحد من أركان السلطة الوطنية أو من السياسيين الاجانب، وقد غادر وفد الاتحاد الأوروبي فلسطين دون مقابلة ياسر عرفات لعدم سماح ارييل شارون لهم باتمام المقابلة، كما ان الجنرال زيني قد قابل عرفات دون حضور أحد من قادة السلطة الوطنية.

والى جانب هذا الموقف المآساوي فان كولين باول سوف يشهد الاحتلال الاسرائيلي الكامل للأرض الفلسطينية، مما يهدد وينهي جميع الاتفاقيات السابقة التي وقعت بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية بما فيها اتفاقيات اوسلو التي وقعت عامي 1993 و1995 في البيت الأبيض.

ولاشك ان كولين باول سوف يسمع في جميع العواصم العربية غضبا من التصرفات الاسرائيلية، ورفضا قاطعا لعودة احتلال الارض الفلسطينية لما يسببه ذلك من احتمالات انفجار يطيح بأمن المنطقة واستقرارها، ويغرقها في بحر من الدماء.

وسوف يحاول الاسرائيليون تصوير الامور بصورة معاكسة، فيصوروا المقاومة الفلسطينية بأنها اعمال ارهابية دون تقدير الى ان اعادة احتلال الارض والمدن الفلسطينية ما كان ليدفع شعب فلسطين الى الركوع والاستسلام كما توقع شارون، ولكنه فرض عليه اللجوء الى العمليات الاستشهادية التي يضحي فيها الانسان بحياته راضيا ليتحول الى قنبلة بشرية تلحق الخسائر بالمحتلين الاسرائيليين، وهو الاسلوب الذي تحاول الدعاية الاسرائىلي ومن يشايعها من بعض أجهزة الاعلام الاميركية والاسرائيلية والأوروبية تصويره بأنه ارهاب متجاهلين ان أحدا ما كان يمكن ان يلجأ الى التضحية بحياته اذا كان شارون قد استجاب الى العقل والحكمة وسحب جنود الاحتلال من أرض فلسطين.

الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية هو الأساس الذي يدفع شعب فلسطين الى المقاومة بكل الوسائل المتاحة، ولذا يصبح نوعا من الظلم الفادح ان يطلق على المناضلين من أجل تحرير أرضهم لفظ إرهابيين، وتعطي الحكومة الاسرائيلية مبررا لأعمالها الاجرامية بأنها نوع من الدفاع عن النفس.

والأمل ان يتفهم كولين باول هذه الحقيقة لانه لن يكون مقبولا من الادارة الاميركية التي شنت حربا ضد الإرهاب ان تتغاضى عن العوامل والدوافع التي تدفع الى العنف وفي مقدمتها الاحتلال الاسرائيلي للأرض العربية في فلسطين والجولان ومزارع شبعا.

وكم أتمنى أن يقرأ كولين باول أو يعيد قراءة ما كتبه البريجادير جنرال الاميركي جيمس دافيد في جريدة «الديلي ميل» تحت عنوان «امريكا تحصد ما زرعته»، وهو جنرال اميركي خبير بمنطقة الشرق الاوسط لأنه عمل بها من عام 1967 الى عام 1969، ويقول في مقاله انه يجب على اميركا اذا ما أرادت ان تحمي نفسها في المستقبل من أعمال مشابهة لما حدث في 11 سبتمبر ان تتساءل عن سياستها نحو الدول المختلفة، وان تتساءل أيضا عن الاسباب التي تحمي سويسرا والسويد مثلا من هذه الأعمال الإرهابية التي استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاجون في واشنطن.

ويفسر الجنرال الاميركي ذلك بقوله «دعني أكون صريحا وأصل الى قلب الموضوع، ان سبب الإرهاب الموجه ضدنا هو تدخلنا وتأييدنا للعمليات الاجرامية التي تقوم بها الحكومة الاسرائيلية، وهذا قول لن تسمعه مطلقا من أجهزة الاعلام المسيطر عليها»، ويواصل الجنرال الاميركي مقاله قائلا «ان الفلسطينيين وحلفاءهم العرب كانوا هدفا للإرهاب الاسرائيلي منذ نصف قرن والذي أدى الى خروج 800 ألف عربي من ديارهم تحت وطأة أعمال إرهابية فظيعة أذكر منها معركة دير ياسين».

ويشير الجنرال الاميركي أيضا الى تقرير منظمة العفو الدولية عام 1999 الذي قالت فيه ان السلطات الاسرائيلية دمرت 2650 منزلا فلسطينيا في الضفة الغربية منذ عام 1989 مما أدى الى تشريد 16700 فلسطيني هدمت منازلهم، واقتلعت أكثر من 100 ألف شجرة زيتون كانت مصدرا لرزق الفلسطينيين.

هكذا كتب الجنرال جيمس دافيد الجنرال الاميركي خريج كلية أركان الحرب والأمن القومي الاميركية، والأمل أن يفكر كولين باول فيما كتبه زميله في القوات المسلحة الاميركية لينقذ المنطقة من الإرهاب ودوافعه.

زيارة كولين باول المرتقبة يمكن ان تكون بداية لمرحلة جديدة تنسحب فيها القوات الاسرائيلية من الأرض الفلسطينية المحتلة، وتبدأ مرحلة جديدة من المفاوضات السياسية.