الحظر النفطي... بين العقل والعاطفة

TT

هل كتب على العالم مواجهة صدمة نفطية اخرى؟ هذا هو السؤال الذي طرح نفسه في بعض الاسواق العالمية خلال الايام القليلة الماضية، وجاءت الاجابة عليه بـ«لا» قاطعة من علي رودريغيز امين عام «اوبك».

القلق حول اسعار النفط ناجم عن تهديد قلة من المنتجين بحظر تصدير النفط احتجاجاً على العدوان الاسرائيلي المستمر على الضفة الغربية بفلسطين، اضافة الى التوتر الذي تشهده فنزويلا، رابع اكبر مصدري العالم، حيث يواجه الرئيس اليساري هوغو شافيز معارضة سياسية يمكن ان تؤدي الى إضرابات يعلنها العاملون في صناعة النفط. ولكن حتى لو حصل الاسوأ يستبعد ان تشعر السوق العالمية بأي صدمة نفطية تستحق الذكر.

ذلك ان الاعضاء الآخرين في «اوبك» لديهم نحو 5.5 مليون برميل يومياً طاقة فائضة يمكن بسرعة الاستفادة منها. والولايات المتحدة في طريقها لرفع انتاجها من حقول الاسكا، ثم ان بمقدور روسيا والنرويج والمكسيك ـ اكبر الدول المصدرة من خارج «اوبك» ـ إضافة 2.5 مليون، مما يعني ان السوق سيعاني من التخمة لا العجز.

ثم ان اي تهديد للامدادات النفطية سيجعل من مناطق الانتاج الهامشية، كحوض بحر قزوين، اوفر غلة واعلى ربحية واكثر جذباً للاستثمارات. وهذا بدوره سيؤدي الى زيادة في العرض، وعلى المدى المتوسط، الى هبوط في الاسعار.

بالنظر الى هذه الحقائق يصبح حظر التصدير سلاحاً مسدداً الى صاحبه. ثم ان «اللعب» بالنفط مؤذٍ لسببين آخرين: اولهما، ان النفط الخام ما عاد يلعب الدور الذي كان يلعبه في الماضي باعتباره عصب حياة الاقتصادات الصناعية. فمعظم الدول الصناعية الكبرى تحولت الى الغاز الطبيعي والطاقة الذرية لتوليد الكهرباء. وبالتالي لن يخلق الحظر الملوّح به طوابير السيارات الطويلة التي شاهدناها خلال السبعينات في اميركا واوروبا واليابان امام محطات الوقود.

وثانيهما، ان الجزء الاكبر من الرأي العام العالمي واقف مع الفلسطينيين في معاناتهم امام وحشية الاحتلال المتجدد. ولن يفهم العالم خارج الشرق الاوسط منطق تعرضه للعقاب الجماعي بينما هو يؤيد علناً حق الفلسطينيين بالتحرر والعيش في دولة سيدة مستقلة. ولا شك ابداً في ان إسرائيل ستسعد جداً بالحظر النفطي الآن لأنه سيوفر لها فرصة نادرة لاتهام «اوبك» بأنها احتكار «استغلالي» و«إرهابي» مناوئ للغرب. وكان لافتاً بالفعل كيف بادرت القيادات العاقلة والحصيفة في «اوبك» الى وضع المسألة في موضعها الصحيح. والتعامل مع فكرة الحظر على انها ستكون مؤذية سياسياً واقتصادياً في هذه الظروف.