لولا هذا الخليجي

TT

في الماضي كانت للعربي في صحف الغرب صورة كاريكاتورية نمطية يعتمدها جميع الرسامين كأنها ثوب عسكري مقرر ولها ثلاثة معالم ثابتة: الكوفية والنظارتان السوداوان وخنجر الغدر. والآن للعربي في الصحف العربية صورة نمطية موَّحدة: انه دائماً وابداً خليجي يعتمر الغترة ويعقلها. وهو، في الرسم الموحد، المسؤول عن كل الامراض اللاحقة بالامة. فهو كائن كسول خامل جاهل، يعيق هذه الامة ويقف في وجه تطورها وتقدمها، وخصوصاً في وجه تحررها.

وصدر في صحيفة عربية كبرى قبل ايام رسم للعربي النموذجي هذا، وهو مستلق امام التلفزيون، يمدّ يدا طويلة الى الفلسطينيين على انها يد العون التي يطلبونها! ولا يدل الرسم فقط على الجهل الثقافي الذي يفرضه التنميط، بل يدل ايضاً على استسهال فكرة الاتهام استناداً الى انعدام المعرفة. فاليد التي امتدت لاعانة الصمود الفلسطيني، اولاً واخيراً، هي يد النفط الذي طالما شتم في النثر العربي وفي الشعر العربي وفي ساحات الابتزاز التي يرتدي فيها المبتزون اقنعة الفرسان وهم يركبون الحمير.

سامح الله الراحل الكبير نزار قباني الذي بدأ هذه الموجة بعد 5 حزيران. فلم يستطع نزار التوجه نحو جيوش الجبهة الشرقية، ولذا استدار نحو اهل الخليج الذين يبعدون ثلاثة آلاف ميل عن سيناء، وراح يؤدبهم ويعنفهم ويحملهم مسؤولية الخسارة. ومن بعده اتفق الرسامون والشعراء واشباههم ومزوروهم على تحميل الغترة كل ما يحدث. ليس فقط في السياسة والحروب وفقدان الارض بل في السلوك والمسالك. فهذه الغترة (الخليجية، وليس العراقية او السورية او الفلسطينية او البعلبكية) هي التي تعامل المرأة بخشونة وقسوة ووحشية واحتقار. لكن نزار لا يلبث ان ينسى ما ساق للبداوة من تهم ولمال النفط من تقريع، فعندما يريد هو ان يهين احدى نسائه الكثيرات يخاطبها بقوله: «بدراهمي»، منتقيا من اصناف النقد، ادناها واقلها قيمة.

لا يشكل مجموع سكان الخليج اكثر من عدد سكان القاهرة الكبرى الا بقليل. ولا تزيد نسبة معتمري الغترة على 10% من مجموع سكان الوطن العربي الكبير. وتتمتع الدول العربية (بعكس الخليج) مثل لييبيا والجزائر والمغرب والعراق وسورية ومصر ولبنان والاردن، بمجموعة لا حصر لها من المداخيل والثروات الطبيعية، وبينها ايضاً النفط. فالعراق والجزائر وليبيا دول نفطية كبرى بالاضافة الى اراضيها المترامية وثرواتها الطبيعية الكبرى. ولبعض هذه الدول الثورية استثمارات ضخمة في بلاد الاستعمار وفي مشاريع سياحية او رأسمالية معادية للاشتراكية. ولم تقدم مجموع الدول، في الوطن العربي الكبير، ما نسبته العملية 10% مما قدمته «دول النفط» في العقود الثلاثة الماضية من دعم مالي. وقد روى الدكتور احمد زكي اليماني الى عماد الدين اديب ان حركة «فتح» تأسست بمائة الف ريال قدمها الملك فيصل لياسر عرفات، بالاضافة طبعاً الى ان الحركة نفسها قامت في الكويت وظلت تتصرف في الكويت على انها جزء من الدولة حتى وقوع الغزو العراقي.

لكن الرسام العربي عندما يرسم الخذلان وضياع فلسطين والنكبات الكبرى، يقوم تلقائياً الى ريشته ويرسم غترة وعقالاً استلقى صاحبهما على اريكة. اما بقية الشعب العربي، من المشرق الى المغرب، فقد كانت لتنجح في اعلاء نصر الامة لولا هذا التخلف الغتري او الخليجي. هذا الوحش الذي يأتي الى مصر ولبنان والمغرب لينتقي زوجاته الاضافيات، في حين تضحك الامة حتى تنقلب على قفاها، لزيجات الحاج سعيد متولي، وتطلب تعميم ذلك على كل من لا غترة له ولا عقال.

قبل ايام قليلة كنت في الرياض. وقد دعيت الى افتتاح معرض لصور السماء فوق الرياض، مأخوذة من القمر الاصطناعي على مدى 24 ساعة. ووقف رجل ملتح «محلّق شعره، مقصر» يشرح لنا ما التقطته الكاميرا. وكان يبدو انه على معرفة بالعلوم اكثر من جميع لابسي البذلات الحاضرين. كما كان المعرض برعاية اول عربي يحلق في الفضاء، الامير سلطان بن سلمان. ومساء ذلك اليوم دعيت الى عشاء في مزرعة الشيخ فهد العبيكان الذي روى لي انه يصدر 80% من نتاج شركته للاقمشة المعالجة ضد الحرائق... الى اميركا! وان كل المواد الاولية من السعودية. وقال ان عشرات آلاف الخريجين ينصرفون الآن الى تحويل السعودية الى واحدة من كبار الدول الصناعية.

وصباح اليوم التالي قرأت الصحف العربية على الطائرة. وكان هناك كالعادة رسم كاريكاتوري للعربي، متخلفاً امام مواطنيه المحلقين في الوطن العربي الكبير! ولذلك وضعت على رأسه غترة، بينما يبقى العربي السوبرمان المتفوق، الحديث، المعاصر، حاسراً متقدماً ضارباً في العلم والرخاء والاستقرار والسعادة! اقصد السعادة الكبرى.