الإذلال أشد خطرا من الغضب

TT

اثبتت وقائع الاسابيع الاخيرة بوضوح تام استحالة تحقيق سلام في الشرق الاوسط ما لم يصل الثمن الى مستويات هائلة حقا، سواء بالنسبة للفلسطينيين، او الاسرائيليين، او الولايات المتحدة. الأطراف الثلاثة لم تبلغ هذا المستوى حتى الان، فمن سيبدأ اولا؟

ليس لدى الفلسطينيين، الان، ما يخسرونه. فهم يموتون بارادتهم في عمليات انتحارية، ويُقتلون بالدبابات في الشوارع، غير ان الغضب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي المتواصل منذ 35 عاما، يخلق بحيرة تتزايد عمقا من مرشحين للقتال والموت. وفي المقابل فان خطة شارون لتصعيد القمع العسكري، بهدف ايقاف الارهاب، لم تؤد في الواقع، الا الى مضاعفة الهجمات، قي وقت يشير فيه مسؤولو المخابرات الاسرائيلية، باستمرار، الى ان القمع الواسع لن يؤدي غرضه.

نطلب من ياسر عرفات ان ينهي الارهاب، لكن الارهاب اصبح الآن لامركزيا مع تدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية. واذلال عرفات يوميا يعني اذلالا متزايدا لكل الفلسطينيين، ايا كانت الانتقادات التي يوجهونها لزعيمهم المنتخب. ان الاذلال غير المحدود أشد خطرا من الغضب.

من دون عرفات لا يمكن مركزة الامور، كما لا يمكن لأي زعيم فلسطيني ان يتخلى من جانب واحد، عن حرب العصابات والارهاب، فهي الأسلحة الوحيدة التي يمتلكها لاستمرار مفاوضات مشكوك فيها ولا نهاية لها، مع حكومة اسرائيلية تقصي من اهدافها المعلنة اي حل مقبول. اما شارون فلا يجد بدوره مكانا يتجه اليه، انه عازم على ابقاء المستوطنات، وعلى رفض اقامة عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، ولن يضمن حقوق السيادة الفعلية لدولة فلسطينية. واذا ما تردد في هذا الموقف، فسوف يقضي على ائتلافه الحكومي، حيث ينتظر بنيامين نتنياهو خلف الكواليس لشطب السلطة الفلسطينية بالكامل ورفض قيام اي دولة فلسطينية.

لقد تقبل جورج بوش حجة شارون، بان المشكلة الأساسية تكمن في الارهاب، واتخذ «موقفا ثابتا» مانحا اسرائيل تفويضا مفتوحا للقضاء على الارهاب وانتزاع جذوره. لكن ذلك لن يحدث، وفي هذه الاثناء يتصاعد الغضب على الولايات المتحدة بشكل هائل، وهي ليست سوى مسألة وقت فقط حتى يزحف الارهاب ضد الاميركيين في الخارج، على يد أناس لا علاقة لهم بأسامة بن لادن وآيديولوجيته.

هل سينتهي الارهاب ضد اسرائيل عندما تنسحب من الأراضي المحتلة؟

ان اي تحليل دقيق لا يمكنه الا الاقرار بان هذا لن يحدث، على الأقل بين عشية وضحاها. فالغضب يسري عميقا في العروق، ما لم تكن للفلسطينيين حصة حقيقية في دولة ذات سيادة يتغير في ظلها مناخ المجتمع. عند ذلك، فقط، يمكن النظر الى المتطرفين باعتبارهم يلحقون ضررا بدولتهم ومجتمعهم وثقافتهم. وعند ذلك، فقط، يمكن لحكومة فلسطينية ان تبدأ اجراءاتها الصارمة، داخليا، ضد المتبقين منهم، بحيث تتراجع قيمة العنف في ظل الظروف الجديدة.

اذا ما وضعنا جميع الاحكام الأخلاقية جانبا، فمن سيبدأ اولا؟

ان اسرائيل المستقلة، المزدهرة، هي الخاسر الأكبر من استمرار تصاعد الارهاب بقوة، كما سيحدث بالتأكيد، والاحتلال في وضع يتعذر الدفاع عنه. بينما لن يتمكن الفلسطينيون من التقدم اكثر لأنهم يواجهون الدمار، كسلطة بينما تتحول الاعمال الارهابية الى اعمال فردية محلية تنطلق من نزعة وطنية. اما الولايات المتحدة فلديها، بدورها، الكثير مما تخسره، غير ان ادارة بوش تعتقد، على ما يبدو، ان الحزم الصارم سيكون غالبا، فضلا عن موقفها السلبي تجاه الزعامة الفلسطينية. اذا كان الأمر على هذا النحو، فهل ستغير الطموحات الفلسطينية والرفض الاسرائيلي هذه المعادلة؟ وهل يصبح الارهاب المضاد والقوة العسكرية الجوهر والشكل الوحيد لسياسة واشنطن الخارجية في العالم؟

* مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الاميركية ـ خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»