أخطار العدوان الإسرائيلي

TT

يتحدى رئيس الوزراء الاسرائيلي اريل شارون العالم بالعدوان على الشعب الفلسطيني، ويصر على مواصلته على الرغم من قرار مجلس الأمن 1402 القاضي بوقف اطلاق النار، دون ان يعبأ بما يسببه مسلكه المخالف للارادة الدولية من استفزاز المشاعر الانسانية في كل مكان بالارض، وما كان في استطاعة اريل شارون ان يقف في وجه الدنيا لولا موقف امريكا الذي سمح له بارتكاب هذه المجازر البشرية المبررة من قبل واشنطون وتل ابيب بمحاربة الارهاب على المستوى الدولي من بعد أحداث يوم 11 سبتمبر عام 2001 مما جعل اعتبار الارهاب الاسرائيلي اليوم ضد الشعب الفلسطيني جزءاً من الحرب الامريكية على الارهاب.

يبدو ان امريكا فقدت ذاكرتها لأنها نسيت عند مناداتها للدول الى مشاركتها في هذه الحرب ضد الارهاب، استثنت اسرائيل وطالبتها بعدم المشاركة فيها، حتى تستقطب الدول العربية الى المشاركة فيها التي بدورها اشترطت عدم مساهمة اسرائيل فيها، وعالج البيت الأبيض هذا الموقف باعطاء اسرائيل الحق بالمشاركة في التحقيقات الخاصة بجريمة العدوان على نيويورك وواشنطون. وابعاد اسرائيل عن المشاركة في المنظومة الدولية لمحاربة الارهاب يسقط ما تدعيه تل ابيب من ان محاربتها للفلسطينيين تدخل تحت مظلة محاربة الارهاب بعد ان تم استبعادها عن المشاركة في هذه الحرب وتبطل ما تردده واشنطون بكلام الرئيس جورج بوش الملتوي الذي يهدف الى اعتبار العمل العسكري الاسرائيلي ضد الفلسطينيين جزءاً من الحرب الأمريكية ضد الارهاب.

اذا تجاوزنا جدلا فقدان الذاكرة الامريكية التي نسيت ما اتخذته قبل عدة اشهر من قرار يمنع اسرائيل من المشاركة في محاربة الارهاب، وتراجعت عن ذلك القرار لتبرر عدوان اريل شارون على الفلسطينيين بمحاربته للارهاب، وركزنا النظر على الواقع الاقليمي بالشرق الأوسط وما يتفاعل فيه من صدام، لوجدنا ان الفلسطينيين لا يمارسون ارهابا يستوجب محاربتهم وانما يناضلون بالكفاح الوطني في سبيل تحرير ارضهم من الاستعمار الاسرائيلي الاستيطاني، وهو حق مشروع في كل الشرائع السماوية والتشريعات الدولية، واكد هذا الحق الارادة الدولية التي عبر عنها بوضوح قرار مجلس الأمن 1397 القاضي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مما جعل الضمير العام الانساني يتعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم حتى اصبحت قضية رأي عام دولي، وهذا يتطلب من الفلسطينيين والعرب حسن التعامل معها بفتح قنوات الاتصال بين الشعب العربي والشعوب المؤازرة للحق الفلسطيني وتنشيط الادوار الدبلوماسية مع الحكومات، وفتح ابواب الحوار في كل المحافل الدولية بما فيها الامم المتحدة لمناقشة القضية الفلسطينية من كل جوانبها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على دعائم المنطق السليم الذي يستهدف العدل.

لا شك ان فتح ابواب الحوار الموسع على المستوى الدولي لسماع الآراء المتعددة معنا أو ضدنا سيوصل الرأي العام الدولي الى الرؤية الشمولية التي تمكنه من وضوح رؤية ما يحدث في الجانب الاسرائيلي من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، فارتكاب الجريمة لا يدين صاحبها «حرامي بلا عمله شريف» وانما الادانة تتطلب فضح المجرم بما ارتكبه من عدوان على حقوق الغير، وهذا يستدعي فضح اريل شارون امام العالم بالوثائق والصور التي تثبت عليه ممارسة ارهاب الدولة في ابشع صوره بقتل الاسرى والتمثيل بهم، واغتيال حياة المدنيين في كل مكان من دون حق وبلا رحمة، وحرمان الجرحى من العلاج بضرب سيارات الاسعاف لمنع وصولها الى الجرحى وترك جراحهم تنزف حتى الموت او التعجيل بقتلهم بسير الدبابات على اجسادهم المصابة بالجروح والكسور وهم لا يزالون على قيد الحياة، وقطع الدواء والماء والكهرباء والطعام عن المدن التي تستعيد احتلالها من السلطة الوطنية الفلسطينية، واتخاذ المدنيين دروعاً بشرية عند غزو المدن والقرى والمخيمات، وتدمير المباني على رؤوس سكانها، وهدم الآثار للقضاء على كل اثر ثقافي، وتخريب التجهيزات التحتية لقطع سبل الحياة على الناس، واللجوء الى التعذيب غير الانساني للمعتقلين بايصالهم الى حافة الموت، فإما يموتون تحت وطأة التعذيب وإما يصابون بعاهات مستديمة تتعذر معها مواصلة الحياة بصورة طبيعية.

هذا العدوان العسكري الذي تواصله حكومة اريل شارون يمثل في حقيقته ذروة ارهاب الدولة ضد الشعب الفلسطيني، وقد عرى ذلك النزعة الاستعمارية عند تل ابيب وفضح الانحياز السافر الامريكي لها الى الدرجة التي جعلت واشنطون لا تعارض الاستمرار في هذه المذبحة البشرية وانما تطالب فقط بالاسراع في انجازها حتى لا تؤدي الى ردود فعل دولية تلزم اسرائيل بوقف اعمالها العسكرية وتحرج امريكا بوقوفها الى جانب الحرب الاسرائيلية بحجة انها تحارب الارهاب الفلسطيني، وهي حجة واهية فضح عدم صدقها امام الرأي العام الدولي ان الكفاح الوطني الفلسطيني ليس ارهاباً كما تسميه واشنطون وتل ابيب، فأخذت ترتفع الاصوات الدولية من هنا وهناك ضد اسرائيل وتطالبها بوقف اعمالها العسكرية فوراً ضد الشعب الفلسطيني، وصدر بذلك قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار الذي ايدته امريكا بالتصويت معه، وعارضته بالوقوف ضده من خلال مسلكها السياسي الذي يصر على وقف الارهاب الفلسطيني لتوقف اسرائيل اطلاق النار عليهم.

عدم مصداقية امريكا بتصرفاتها المنحازة مع اسرائيل جعلها غير مؤهلة للوساطة السلمية بين العرب والاسرائيليين بعد ان ادى العدوان الاسرائيلي الشامل على الفلسطينيين الى انهيار فرص السلام التي كانت متاحة في الماضي القريب قبل وصول اريل شارون الى الحكم، الذي يتصور ان تصعيد المواجهة الاسرائيلية مع الفلسطينيين الى هذا المستوى من العنف المتبادل بينهما يصعد موقفاً دوليا ضد الانتفاضة باعتبارها عملاً ارهابياً في ظل المناخ الدولي من بعد 11 ستبمبر عام 2001 الذي جعل الكفاح الوطني يدخل في دائرة الاعمال الارهابية، بعد ان رفضت واشنطون الاخذ بالتفرقة القانونية بين الكفاح والارهاب، واستغلت اسرائيل هذا الموقف الامريكي ووظفته في خدمة اغراضها الرامية الى اعادة احتلال الضفة الغربية لاقامة اسرائيل الكبرى، وكان من الطبيعي ان تقوم جريمة اسرائيلية اخرى تسعى الى ترحيل الفلسطينيين من بلادهم الى البلدان العربية المختلفة ويعلن اريل شارون انها الخطوة الثانية بعد انتهائه من محاربة الفلسطينيين ليحقق الامن الذي وعد به الاسرائيليين في حملته الانتخابية.

تترتب على هذا الفكر الصهيوني العدواني اضطرابات موسعة ومستمرة في اقليم الشرق الأوسط تحتاج الى اجتيازها عشرات السنوات وتسير في اتجاهات تلغي مقومات السلام ليس فقط مع الفلسطينيين في اراضيهم المحتلة وانما ايضا مع العرب في اقليم الشرق الأوسط بتصعيد الادوار العسكرية ضدهم، وهو وضع لن يستطيع وزير الخارجية الامريكية كولن باول حله في جولته الحالية وسيعود الى بلاده «بخفي حنين» لأن اسرائيل غير راغبة في السلام وامريكا غير جادة في وساطتها ولا مخرج من هذا المأزق الا باستمرار الكفاح الوطني الفلسطيني ضد الاستعمار الاسرائيلي بالدعم العربي بكل الطرق السياسية والاقتصادية ومخاطبة العالم بمنطق العدالة والشرعية الدولية.