العلاقات العربية ـ الصينية في نسيج من الصداقة

TT

وصل الى القاهرة خلال الأسبوع الماضي وفد من جمعية الصداقة الصينية العربية التي تأسست في سبتمبر2001، أثناء اجتياح المدرعات والطائرات الاسرائيلية المدن الفلسطينية تدمر وتقتل المواطنين الابرياء.

وتشكيل لجنة صداقة عربية ـ صينية في هذا التوقيت الذي يرتبط بمرور عام على الانتفاضة الفلسطينية يحمل معنى الحرص على العلاقات الوثيقة التي تربط الصين مع الدول العربية، وهي العلاقة التي أشار اليها رئيس الوفد الصيني في كلمته الافتتاحية عندما قال انها (بدأت عام 1956عندما تظاهر في ميدان «تيان آن مين» الشهير نصف مليون صيني احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر في اكتوبر من نفس العام، وبادرت مصر باعلان اعترافها بجمهورية الصين الشعبية في نفس العام أيضا فكانت أول دولة عربية وافريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين).

زيارة الوفد الصيني في هذه الظروف التي أعلن فيها ارييل شارون الحرب على شعب فلسطين تثير ذكريات عن هذه الفترة التي نسجت فيها السياسة مع الصداقة، والتي كنا نجد فيها أصدقاء يقدمون لنا المساعدات في أوقات الشدة.

عندما فرضت بريطانيا واميركا حظرا على تسليح مصر بعد قيام ثورة 23 يوليو، لعب شوان لاي في مؤتمر باندونج دورا في عقد صفقة الاسلحة التشيكية عندما أقنع الاتحاد السوفياتي بأهمية الاستجابة لطلب مصر في الحصول على السلاح، وكان ذلك بداية مع المعسكر الاشتراكي الذي ساند حركات التحرر الوطني في عهد الحرب الباردة، وقد ظهر ذلك مبكرا عندما أرسل نيكولاي بولجانين رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي انذاره الشهير الى حكومة بريطانيا يوم 5 نوفمبر 1956الذي قال فيه «اننا عاقدو العزم على استخدام القوة لسحق المعتدين واعادة السلام الى الشرق ونحن نأمل أن تظهروا الحكمة، وتستخلصوا من هذا النتائج المناسبة». وأرسل بولجانين خطابا آخر الى بن جوريون قال فيه «أوضحت تصرفات اسرائيل قيمة كل التأكيدات الزائفة من حب اسرائيل للسلام ورغبتها في التعايش السلمي مع جيرانها العرب، واسرائيل وهي تعمل لحساب الغير ووفق التعليمات التي تصدر اليها من سادتها تلعب لعبا اجراميا وغير مسؤول بمصير السلام ومصير شعبها». أثارت هذه الخطابات المهددة بضرب لندن بالصواريخ الفزع في العالم الغربي. وكانت النتيجة هي قرار المعتدين بوقف اطلاق النار في اليوم التالي مباشرة، وجلاء القوات البريطانية والفرنسية يوم 23 ديسمبر 1956، وهكذا بدأت العلاقات المصرية ـ السوفياتية تجمع في نسيج واحد بين السياسة والصداقة، وقد تجلى ذلك مرة أخرى بعد عدوان اسرائيل في يونيو 1967، عندما استعوضت القوات المسلحة المصرية جميع أسلحتها المفقودة بعد الهزيمة المفاجئة وأعيد بناؤها لتدخل حرب الاستنزاف التي كبدت اسرائيل خسائر مستمرة وشبه يومية، وكانت تمهيدا لحرب اكتوبر المجيدة التي أحدثت زلزالا داخل المجتمع الاسرائيلي.

وعندما وقعت خلافات بين موسكو وبكين في منتصف الستينيات انسحبت الصين من السكرتارية الدائمة لمنظمة التضامن الافريقي الآسيوي عام 1965، وألغت لجنة التضامن الصينية، وشكلت بدلا منها لجنة للصداقة مع دول العالم، وظلت مصر تحتفظ بعلاقاتها الوثيقة مع الصين والاتحاد السوفياتي الى أن بدأت الاتصالات مرة أخرى بين اللجنة المصرية للتضامن وجمعية الصداقة الصينية في الثمانينيات والتي حققت الجولة الأولى من الحوار العربي ـ الصيني الذي أقيم في بكين خلال شهر مايو 1992واشترك فيه 24 شخصية من مختلف الدول العربية. وقد حضر الى مصر هذا الاسبوع 32 شخصية صينية للمشاركة في الجولة الرابعة من الحوار العربي ـ الصيني.

كان شعورنا نحو الزملاء القادمين من الصين هو شعور من يفتقد الأصدقاء في هذا الزمن الصعب الذي نعاني فيه من عدوان حكومة ارييل شارون على شعب فلسطين، والذي تجاوز كل الخطوط بشكل غير مسبوق مساندا من الادارة الاميركية.

وأعاد اللقاء مع الوفد الصيني روح الصداقة الغائبة وأتاح لنا فرصة للتعرف على الرؤية الجديدة لشعب الصين، والتي عبر عنها أعضاء الوفد الذي زار القاهرة خلال هذا الاسبوع بقولهم ان سياسة اميركا تدفعها الى اهدار القيم والمبادىء التي قامت عليها الأمم المتحدة لتحاول الانفراد وحدها بفرض سياستها تبعا لمصالحها الخاصة فقط، فهي تجنح نحو دعم سياسة الحكومة الاسرائيلية رغم بشاعة ما ترتكبه من جرائم ضد الانسانية في نفس الوقت الذي تطالب فيه ياسر عرفات، وهو محدد الاقامة، بأن يوقف العنف والارهاب.

أحيت كلمات الوفد الصيني روح الأمل وجددت مشاعر الصداقة التي غابت في هذه الظروف الحالكة وهم يدينون القمع الوحشي الذي يقوم به الجيش الاسرائيلي، ويؤكدون ان ايقاف العنف المتبادل لن يتم بغير تسوية سلمية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية واقرار حق العودة للاجئين مع الانسحاب الفوري للقوات الاسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة تنفيذا للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وعبر الوفد الصيني عن قلقه من استثمار الولايات المتحدة لحادث 11سبتمبر في تكريس وجودها بوسط آسيا، وفي شنها لحروب وحملات في مواقع متفرقة من العالم تحت دعوى محاربة الارهاب، وأكد معارضته لمحاولة الولايات المتحدة فرض نظام دولي جديد يقوم على القطبية الاحادية ويتجاهل التوازن الدولي القائم على حق كل الشعوب في المشاركة في اقامة نظام دولي عادل مستقر ومتعدد الأقطاب.

وكان من الوقفات المعبرة عن الصداقة الصينية ـ العربية التأييد المطلق لأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة الذرية، ومعارضة استهداف عدد من الدول تحت دعوى امتلاك اسلحة دمار شامل، رغم ان أكبر ترسانة في العالم من هذه الأسلحة توجد في اميركا، والترسانة الوحيدة في الشرق الأوسط موجودة في اسرائيل.

وهكذا فإن الصداقة التي نسجت مع السياسة منذ نصف قرن مازالت باقية ومتجددة وباعثة على الأمل في أن العالم يقبل على فرص أفضل للحياة فقد بادرت مصر والصين عام 1999بعقد اتفاق تعاون استراتيجي موجه للقرن الواحد والعشرين، كما ان الجامعة العربية قد قررت اقامة منتدى عربي ـ صيني من أجل تعزيز العلاقات المشتركة بعد أن تشكلت جمعية الصداقة العربية ـ الصينية في بكين.