عرض إسرائيل ثمانية أميال فقط

TT

شاهدت ثلاثة معلقين اميركيين يرددون على محطات تلفزيون مختلفة عبارة ان عرض اسرائيل من البر الى البحر هو ثمانية اميال فقط، موضحين خطورة مطالبة اسرائيل بالعودة الى حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 67، وردد الجملة نفسها كبير القوم الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش: تصوروا ان عرض اسرائيل هو ثمانية اميال فقط، قائلا كيف يمكن ان تلام اسرائيل على حقها في المطالبة بتأمين سلامة اراضيها. الفكرة بسيطة في حرب الدعاية، هي هيمنة الطرح الاسرائيلي في غياب وسائل الرد العربية اعلامية كانت ام سياسية. ان احداً لم يقل ان عرض اسرائيل حتى لو كان اربعين ميلا لن يلغي مشكلة أمن اسرائيل، فمشكلتها الوحيدة هي احتلالها الاراضي الفلسطينية وليست مساحتها طولا وعرضا، وإلا توجب علينا ان نغير مساحات دول المنطقة كلها، فمساحة اسرائيل ضعف مساحة لبنان، فهل هذا يعني ان على اسرائيل ان تمنحه شيئا من اراضيها الشمالية؟

المسألة هي من يوصل المعلومات الى الآخر، من يقدر على شرح وجهة نظره، من يحصل على زوايا في اكبر الصحف، ومن يحصل على مساحات زمنية في اهم المحطات التلفزيونية. الاميركيون مثل العرب تماما خاضعون لهيمنة رأي واحد، لكن السبب هنا يختلف. ففي العالم العربي الحرية محدودة ومخالفتها باهظة الثمن وقد تؤدي بصاحبها الى السجن حتى لو كان قد نشر اعلانا بالخطأ، وفي اميركا الحرية واسعة تماما لنشر كل شيء وأي شيء، من مجلات الخلاعة الى الصحف التي تبيع وصفة القنبلة الذرية، لكن صدور القائمين على الاعلام ضيقة جدا لا تحتمل نقد اسرائيل.

لهذا السبب فان الاسرائيليين اجادوا كثيرا في معرفة اللعبة بالتركيز على الساحة الاميركية سياسيا واعلاميا واهمال بقية العالم. اما العرب فانهم لا يدركون اهمية فلسفة التركيز التي تمثل نصف النجاح فيبددون وقتهم وجهدهم في كل الموضوعات وكل الاتجاهات. تجد نشاطاتهم في بريطانيا وفرنسا والمانيا وبلجيكا، وتحديدا بلجيكا، وفي جنوب شرقي آسيا وشمال آسيا وفي روسيا وشرق أوروبا وفي اميركا الوسطى واميركا اللاتينية وكذلك الولايات المتحدة الاميركية. اما الاسرائيليون فانهم يعملون في ساحة واحدة هي الساحة الاميركية ويبذلون فيها الكثير من الوقت والجهد وتركيز الخطاب السياسي الملائم. اما في العالم العربي فلا تعرف اليد اليمين ماذا تنفق اليد الشمال. لهذا نحن فخورون بالمظاهرات التي طافت العالم بما في ذلك اوكرانيا والاكوادور، لكن السؤال: ما قيمتها اذا كانت كلها لا تغير من الأمر شيئا.

نصيحتي للعاملين في القطاع السياسي ان يتعلموا فن التركيز، انه سلاح النجاح، اما جمع المظاهرات وتوزيع الاعلام وتصوير الناس الباكين فانه يوحي لنا باشارة خاطئة وهي أن العالم معنا، في حين ان الأهم هو ان تكون الولايات المتحدة معنا وكفى. فتأييد بريطانيا وفرنسا وبلجيكا لنا لا يساوي سياسيا قيمة تأييد ولاية وايومي، ان كان احدكم قد سمع بها من قبل فهي من الولايات الاميركية الخمسين.

لهذا احيي العرب الاميركيين الذين حاولوا خلال عقدين بناء جمعيات سياسية مثل صديقنا جيمس زغبي وحقق نجاحا لا بأس به رغم ضخامة الساحة وقلة المؤيدين له. ان شئنا ان نكسب المعركة فعلينا ان نلتفت جديا الى الساحة الاميركية ونجرب حظنا فيها ونوفر وقتنا ومالنا الذي نبدده في العالم خارج هذه الدولة الممسكة بكل القرار.