النشاز المنسجم

TT

اذا كان هناك شخص في الشرق الاوسط يستحق السخرية والشفقة، فهو بدون شك شمعون بيريز. ما انفك يعود ويصقل بكلماته الآسفة عن مشاركته في حكومة شارون. ولكنه يستمر بمشاركته ويستمر بأسفه على المشاركة. اصبح موضعا لسخرية الجميع. وهو شيء مؤسف فهو من القلائل ممن يحملون اي عطف او تفهم للفلسطينيين في المؤسسة الاسرائيلية.

حتى السادة الافاضل في لجنة جائزة نوبل اخذوا يشعرون بالحرج تجاهه. اعرب بعضهم عن اسفه لعدم وجود آلية في نظام الجائزة تمكنهم من سحب الجائزة ممن منحوها له ثم قصر في احترامها وداس كرامتها. وبالنظر لاحتمالات مقتل ياسر عرفات بنيران الجيش الاسرائيلي، فقد عبر بعضهم عن هلعه في ان يحصل ذلك وبحصوله يكون أحد فائزي جائزة نوبل للسلام قد قام بقتل زميل له فائز آخر بجائزة نوبل للسلام. ستكون مهزلة كوميدية، وان لم تكن الاولى من نوعها في تاريخ جائزة نوبل.

في اثناء ذلك، تداولت نكتة جديدة بين اوساط اللبراليين واليساريين الاسرائيليين. قالوا ان صديقين يهوديين وجدا نفسيهما على ظهر باخرة اصطدمت بجبل ثلجي في المحيط الاطلسي واخذت تجنح للغرق. خف احدهما الى صاحبه في قلق مميت وقال له، «شلومو عزيزي! الباخرة ستغرق». اجابه الآخر: «ما تغرق! انت قلقان ليه؟ هي المركب بتاعنا»؟

صغت الحوار باللهجة المصرية لأن النكتة في الواقع قالها اصلا الظريف المصري محمد البابلي عندما كان مع صاحبه امام العبد في اوائل القرن الماضي.

روى ظرفاء تل ابيب هذه النكتة في معرض العلاقة بين شمعون بيريز وارييل شارون. قالوا ان الاول ذهب في حالة قلق ظاهر الى رئيس وزرائه ليعرب عن مخاوفه ازاء ما جرى مؤخرا. قال له: «البلد كله غارق بالدم والدمار». فأجابه شارون: «ما تغرق هي بتوعنا»؟

لا يؤمن معظم العرب بوجود اي فرق بين حزب العمل الذي ينتمي اليه بيريز وحزب الليكود الذي ينتمي اليه شارون فيما يتعلق بالفلسطينيين، بل هناك من يرى ان حزب الليكود افضل للعرب لأنه صريح وبالتالي مفضوح، في حين ان حزب العمل متستر ومتنكر. كما ان لحزب العمل الذي يدعي بالعمالية والاشتراكية اصدقاءه وانصاره بين الاوساط اليسارية الاوربية، وبالتالي اقدر على التمويه وتمرير سياساته. ولهذا بادرت الاوساط العربية الى مطالبة منظمة الاممية الاشتراكية بسحب العضوية عن هذا الحزب. كثيرا ما قيل ان الاسرائيليين يعانون من مشاعر البرانويا (الخوف النفسي) وعقدة الاضطهاد. يظهر ان البرانويا اخذت تتحول الان الى الانكسايتي (القلق النفسي) وهذه علة كثيرا ما تدفع اصحابها الى عدوانية لا عقلانية وطيش مؤذ. يبدو انهم بدأوا يفقدون الامل في التعايش مع الفلسطينيين والعرب عموما. ويواجهون في عين الوقت اصرارا دمويا على تحديهم ومواجهتهم مهما كان الثمن. اصبحت فكرة الدولة اليهودية كملاذ آمن ابدي لليهود مجرد خرافة. فهي المكان الوحيد في العالم الذي اصبح اليهود يقتلون فيه بالعشرات شهريا. هناك الان علامة استفهام كبيرة على مصير الدولة. لا عجب ان أسمع عن اسرائيلي وجد لوحة في احد مكاتب مطار بن غوريون تقول: «على آخر من يغادر اطفاء الانوار رجاء». فحملها وعلقها في بهو المغادرة.