في قبرص.. تحول في الرأي العام ضد حكومة إسرائيل

TT

كان الاجتماع الدولي الذي دعت اليه الأمم المتحدة في قبرص خلال الفترة من 16 الى 18 ابريل للبحث في قضية السلام بالشرق الأوسط، ودعم حقوق شعب فلسطين المشروعة وغير القابلة للتصرف مختلفا عن جميع الاجتماعات السابقة التي اعتادت الأمم المتحدة أن تعقدها في مقرها الأوروبي بجنيف كل عام، فقد عقد في توقيت مثير، كانت الأخبار فيه تتدفق من الأرض الفلسطينية المحتلة التي غزتها قوات حكومة ارييل شارون وتفرض نفسها على المشاركين الذين كانوا يتابعون زيارة وزير الخارجية الاميركي كولين باول التي اقتلعت من نفوسهم بذور الأمل في تحقيق السلام أو في عدالة الموقف الاميركي.

وكان الاجتماع منعقدا وسط مظاهر تستحق التسجيل يأتي في مقدمتها موقف قبرص الذي عبر عنه وزير الخارجية الدكتور يوانيس كاسوليدس عندما قال في كلمته الذي افتتح بها المؤتمر ان قبرص مع التنفيذ الفوري لقرارات مجلس الأمن 1397، 1402، 1403وحث اسرائىل على الامتناع عن القيام بأي عمل مثل الاعدام خارج اطار القانون والاعتداء على المؤسسات والافراد العاملين في المجالين الطبي والانساني، وأنشطة الاستيطان التي تشكل انتهاكا للقانون الدولي.

وكانت هناك مواقف قبرصية أخرى تعبر عن معارضة شديدة لأسلوب حكومة ارييل شارون، وتعاطف واضح مع نضال وتضحيات شعب فلسطين، ففي يوم 9 مارس الماضي عقد اجتماع كبير ضم اغلبية اعضاء البرلمان وكبار الاساقفة ورؤساء بعض الاحزاب وارسلوا رسالة الى كوفي عنان وقع عليها 2300 شخصية تطالب بالانسحاب الفوري للقوات الاسرائيلية من الأرض الفلسطينية والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، وفي يوم 6 ابريل اجتمع ممثلو 42 حزبا من 22 دولة ومعهم ممثلو جميع الاحزاب القبرصية للمطالبة بوقف عدوان اسرائيل، وفي ليلة افتتاح الاجتماع الدولي احاطت بالسفارة الاسرائيلية مظاهرة حاشدة من نساء قبرص اللائي تدفقن من جميع مدن الجزيرة يحملن شعارات تقول «ليس هناك سلام بغير عدل ـ قبرص وفلسطين نضال مشترك ـ نطلب احترام جميع الاتفاقيات مع الفلسطينيين» واستمرت المظاهرة من السابعة والنصف مساء الى منتصف الليل. وفي ليلة ختام الاجتماع الدولي ذهبت مظاهرة أخرى الى منزل سفير اسرائيل واحاطت به لمنع دخول المدعوين الى حفل كان قد أقامه بمناسبة اليوم الوطني لاسرائيل والذي لم يحضره سوى 20 شخصا وتخلف عن حضوره رئيس الجمهورية وجميع اعضاء البرلمان الذي أرسل اليهم فاسوس لازاريدس رئيس البرلمان بالنيابة لوجود ديمتريس خريستو فياسي رئيس البرلمان في اميركا تعميما بعدم حضور حفل السفير الاسرائيلي، وكانت هذه المظاهرات المتلاحقة تعبيرا عن التغيير الذي حدث في الرأي العام القبرصي، وتلتقي معها المظاهرات التي اجتاحت عددا من الدول الاوروبية تعبيرا عن الغضب من عدوان شارون وانتهاكه للقيم الانسانية.

في داخل قاعة الاجتماع لاحظت ان التمثيل الاسرائيلي كان منخفضا فلم يكن هناك بين المنظمات غير الحكومية سوى ممثل للجنة التي تشرف على تنظيم رفض ضابط وجنود الاحتياط المشاركة في الحرب ضد الفلسطينيين والذين تجاوز عددهم حتى الآن 500 فرد من القوات المسلحة ومنهم 34 داخل السجون يحاكمون اليوم على موقفهم الرافض، كما اتيحت للمشاركين فرصة التعرف على الصورة الحقيقية لمأساة شعب فلسطين، فقد قالت السيدة كارين كوفينغ أبو زبيد الاميركية الجنسية نائبة المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الاونروا» ان أكثر من 2000 شخص قد فقدوا أرواحهم منذ سبتمبر 2000 وجرح عشرات الألوف ، ومنذ بداية الانتفاضة فقدت 100.000 أسرة عملها داخل اسرائيل، وصرفت لهم «الاونروا» حوالي 150 مليون دولار، وتقول نائبة المفوض العام لهذه المنظمة الدولية انه منذ فبراير الماضي انتهكت صلاحيات الأمم المتحدة ودخلت القوات الاسرائيلية الأماكن التي يرتفع عليها علم الأمم المتحدة في المخيمات. وصرحت بأن الاسرائيليين هم أسوأ من تعاملت معهم «الاونروا» خلال تاريخها الطويل، كما أكدت انه لا توجد حجج دينية أو تاريخية تسمح باقامة مستوطنات على الأرض الفلسطينية وأكمل الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي الصورة المأساوية التي يعيشها شعب فلسطين، موضحا اثار الدمار الذي أهدر المعونات الدولية التي حصلت عليها فلسطين من الدول العربية والأوروبية واميركا والتي تقدر بحوالي ملياري دولار، فقد دمر مطار غزة الذي صرفت عليه المانيا واسبانيا ومصر، وميناء غزة الذي انشأه الاتحاد الأوروبي وفرنسا ومحطات التليفزيون وتدمير الكمبيوترات والمنهجية الحديثة لوزارة التعليم، وخزانات المياه، مما يشكل عقابا جماعيا جعل أغلبية الشعب يعيش تحت خط الفقر بدخل دولارين في اليوم وواضح من معالم هذه الصورة القاتمة ان حكومة اسرائىل لا تريد السلام وانها مصرة على تنفيذ مخططها في الاستعمار الاستيطاني والتوسع الصهيوني، وهو الأمر الذي رفع بعض الاصوات من بعض الاوروبيين في هذا الاجتماع الدولي مطالبة بادانة الادارة الاميركية ادانة صريحة لمساندتها للعدوان وكذلك الدول الاوروبية التي تسايرها. كما طالبوا بأن تدفع حكومة اسرائيل تعويضات عما ارتكتبه من تدمير وان تفرض عليها مقاطعة شاملة كما حدث مع حكومة التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا، وحكومة بينوشيه في شيلي، كما طالب البعض بسحب جائزة نوبل للسلام من شيمون بيريز وزير خارجية اسرائيل، وقد حرص المطالبون بذلك على التفرقة بين الابرياء من اليهود وانصار السلام وبين الحكومة الاسرائىلية، وقد اجمع المشاركون الذين اتيحت لهم زيارة اسرائيل خلال الايام القليلة الماضية على أن الحصار هو الذي يكبد الفلسطينيين أكبر معاناة لحرمانهم من العمل والغذاء والعلاج، وأن ما حدث في معسكر جنين يشبه الزلزال الذي شرد أهل المعسكر ودفن المئات منهم تحت الانقاض.

وهكذا يمكن القول ان هذه الصورة المأساوية للعدوان على شعب فلسطين قد بدأت تحدث تحولا حقيقيا في مشاعر وتعاطف الجماهير في القوى والاحزاب السياسية القبرصية وفي الجماهير التي تظاهرت في شوارع قبرص وفي اجتماعات الأمم المتحدة التي عقدت هناك.