إبنوا جنين نموذجية

TT

هناك حلان: الاول، ان نتأمل الصور الخارجة من جنين وأن نتظاهر. او ان نرشق بالحجارة مؤسساتنا ومدننا ورجال الامن. والحل الثاني، ان تقوم اليوم، وليس غدا، اللجنة العربية الاهلية لاعادة اعمار جنين. وهذه تجمع المال من الافراد والمؤسسات. وتجمع الحجارة. وترسلها لاعادة بناء حي حديث رائع فوق انقاض المخيم: بمدارسه ومصحاته وشوارعه وآباره الصحية وحدائقه الصغيرة.

مرَّ شارون وترك الموت، ويجب ان نرسل الى المخيم شيئاً يدعى الحياة، او بديهياتها: المياه النظيفة، والحجرات غير الرطبة، ومدرسة فيها نوافذ، ومستوصف للعجزة والعاطلين عن العمل والنساء الذين لا يملكون ثمن عبور الطريق من المخيم الى الخارج. والخارج اكثر فقراً في اي حال.

هناك صورتان: صورة مخيم جنين قبل وصول شارون. وهي صورة معيبة ومؤلمة ويجب الا تكون. وهناك الصورة التي يجب ان تقوم اليوم، كقذى في عين شارون: صورة المسكن اللائق والجدار اللائق والبيت الذي لا يشبه الزريبة. والروضة والمدرسة والمصَّح. ومغسلة عامة للثياب. على الاقل. اي اذا استحال الحصول على غسالة بيتية.

انها مناسبة، وعفوا للتعبير، لانهاء عصر «المخيمات» واستبداله بالمساكن. لقد ملوا الصفيح والروائح والتعايش مع الموت الآخر. موت الحياة الشاقة والممرات الآسنة والذل المريع والاهمال البشع. يجب ان تقام فوق ارض المخيم، قرية نموذجية، يتبرع بانشائها المهندسون العرب والمقاولون العرب والمؤسسات العربية والاطباء العرب والصحافيون العرب، وخصوصاً المتظاهرين العرب.

لا بد ان يدرك شارون ان مكان كل بيت واهن قام بيت متين. ومكان كل بيت موقت قام بيت دائم. ومكان الحزن المنسي والبؤس المنسي حلت الالتفاتة العربية والواجب العربي، وليس الاونروا ولا التبرعات الدولية ولا الجمعيات الدولية. لا مخيمات بعد اليوم. فقد كانت الصورة معيبة قبل ان يأتي شارون. ولا يجوز ان نتذكر المخيمات فقط اذا قام شارون بزيارتها، على عادته وبأسلوبه المتفرد.

لا بد من قيام صندوق قومي من اجل احوال فلسطين. والتبرع لهذا الصندوق افضل من التظاهر، كما قال الامير سلطان بن عبد العزيز. وبدلاً من تحويل القضية كالعادة الى مزاد في الهواء، يستحسن ان يتولى الرئيس الفلسطيني نفسه الافادة، بالارقام، بما جاءه من تبرعات وبما وصله من خطب. ان الناس منكوبة في الضفة الغربية. وهذه الصور تأتي الينا ليس لكي ننتحب او نرفع درجة مكبرات الصوت، بل من اجل ان نفعل شيئاً ما. ان نبني حجراً في جنين بدل ان نرشق به الشرطة. وان نقتطع شيئاً من دخولنا وترفنا لكي نرسله الى اولئك المنكودين المنكوبين الذين يعيشون حياتهم في الاهمال العربي ويفقدونها كلياً في القتل الشاروني.