سنغافورة ودبي

TT

يعتقد الكثيرون أن أهم الصراعات في دنيا العولمة تقع بين الولايات المتحدة الامريكية والصين أو السوق الاوروبية والهند مثلا، ولكن ما يدور في أركان آسيا يتضح لنا منه أن هناك معركة حامية الوطيس بين نموذجين مما يطلق عليه مسمى المدينة ـ الدولة، وهما سنغافورة ودبي.

ولا يعد الصراع المعلن والشديد الصلة بشركة بياندا والمختصة في ادارة الموانئ، الواقعة الاولى التي تشهد على التنافس بينهما؛ ففي شهر يونيو(حزيران) الماضي تمكنت شركة اتصالات الإماراتية من هزيمة سنغتل السنغافورية في مناقصة تملك شركة «بي تي سي ال» للخطوط الهاتفية الارضية. وهناك معركة متواصلة بين الدولتين عن طريق شركة الطيران الخاصة بهما الاماراتية والسنغافورية، اضافة لمطاريهما أيضا، وذلك للاستحواذ على أكبر نسبة ممكنة من ركاب خط أوروبا ـ آسيا ـ استراليا. ولكن خوف سنغافورة الحقيقي من دبي يأتي في مجال الخدمات اللوجستية وخصوصا آرديبي، وهي سادس أكبر مشغل للموانئ في العالم، وكلاهما يسعيان أن يكونا المشغل الأول في العالم. فسنغافورة بدأت تعي تماما أن دبي تقلدها في كل شيء وتتفوق على النموذج المقلد حين تقدمه، مع عدم إغفال أن أهم قيادات دبي التنفيذيين اليوم تلقوا تدريبهم الأساسي والأول في سنغافورة نفسها. التنافس غير العادي لتنمية الدول يبين أن الساحة مفتوحة تماما لمن لديه الرؤية والجاهزية والتوظيف السليم للمال، مهما كان التباين في القدرة الاقتصادية والمتانة العالية للمتنافسين.

يبلغ الناتج القومي لسنغافورة 116 بليون دولار أمريكي مقابل 37 بليونا لدبي. هل هذا السيناريو قابل للتكرار عربيا؟ قد يكون، فسنغافورة نفسها تمكنت من إزاحة العديد من الدول الصناعية التقليدية في آسيا وأوروبا من الزعامة الاقتصادية والتخصصات الصناعية المختلفة في زمن قياسي قصير، باتت هي فيه مضربا للأمثال عن قصص النجاح الباهر.

ما حصل ويحدث بين سنغافورة ودبي من الممكن الاستفادة منه عربيا في أكثر من صعيد، وبالتالي إعادة رسم الخطط الاقتصادية وتغيير الفرضيات المسلمة، التي كانت تصنف بها الأمم والشعوب بمفاهيم ناتجة عن الحقبات الاستعمارية القديمة، متناسين أن هناك اقتصادا جديدا بات يغير الأمر الواقع في معظم دول العالم، وبالتالي تتغير معه الفرص والتوقعات والنتائج.

مع بزوغ الهند والصين والنمور الآسيوية التقليدية وبعض قصص النجاح من دول أخرى كآيرلندا وشيلي وغانا وجنوب أفريقيا ودبي، بات من الممكن القول إن النجاح الاقتصادي لا يعرف المستحيل، وليس حكرا على المجموعة الصناعية الأولى، طالما كانت هناك فرص ورسم سياسة قوية وإتاحة الامكانيات المناسبة لتحقيقه.

[email protected]