آخر أيام الخندق : وثيقة الزواج ووصية الموت

TT

جلس الفوهرر في الخندق يستعرض الأخطاء التي ارتكبها والأحلام التي لم تتحقق. كان يأمل ان يعقد حلفا مع بريطانيا، في وجه اميركا والدول المتهاوية، مثل فرنسا وايطاليا. لكن البريطانيين خذلوه. وكان يجب ألا يقيم حلفا مع الإيطاليين غير المقاتلين وغير الشجعان، وان يترك افريقيا الشمالية للألمان وحدهم، وليس ان يسمح للمهرّج موسوليني بأن يعلن نفسه «سيف الاسلام». وكان ينبغي ان يحرض العرب في مصر والعراق على الثورة ضد الانكليز، لكي يقلب الميزان العسكري برمته. لكن الأوان قد فات الآن لكل شيء. بدأ القصف السوفياتي يصل الى اعماق الخندق نفسه. وأخذت الطوابق السفلى ايضا تهتز. ومعها اهتزاز القيادة. فقد خلع هتلر المارشال غورينغ، كبير ضباطه. وعين مكانه ضابطا مجهولا. بلغت الفوهرر انباء تؤكد ان نائبه هاينريش هملر يفاوض الغرب للاستسلام عبر الدبلوماسي السويدي الكونت برنادوت. فانفجر وطلب انزال العقاب الاقصى به: «لا يمكن لخائن ان يخلفني». وخلال ايام امر ايضا بإعدام زوج شقيقة ايفا براون، ثم طلب قاضيا مدنيا لعقد زواجه على ايفا بعد سنوات من المعاشرة. مع عقد الزواج كتب وصيته، واتفاقه مع ايفا على الانتحار معا. ثم امر الرقيب الذي يعنى بكلبته «بلوندي» ان يقتلها بالسم، لكي «لا تقع في ايدي السوفيات». ومن خلال قتلها يمكن ايضا امتحان قوة السم الذي وزّع على جميع سكان الخندق من اجل الانتحار الجماعي في حينه. شاهد هتلر قتل «بلوندي» عند مخرج الخندق، وعاد ممتقعا. فأخرج الرقيب جراءها الخمسة وقتلها.

بدأ جو من اليأس يطبق على اهل الخندق. ولم يعد احد يصدق الاجتماعات «الاستراتيجية» التي تعقد. ويصف عامل الهاتف روكس ميشك الجو يومها بأنه «كالسكن في تابوت». ثم تم تحويل بعض الغرف الى مستشفى مؤقت يستوعب نحو 300 من ذوي الاصابات الخطرة. وكان هناك طبيبان فقط وبضع ممرضات يسرعون في الأروقة بين الأشلاء المقطوعة والجثث. في هذا الجو الخانق دخل عامل الراديو على الفوهرر وقال انه التقط رسالة اذاعية تقول ان موسوليني قد قتل. وقبل ذلك بيومين كانت الإذاعة نفسها قد اعلنت ان موسوليني وعشيقته كلارا بيتتاشي قد اعتقلا في قرية على بحيرة كومو. واصاب الخبر هتلر بالرعب. فقد كان يخشى ان ينقله الروس الى موسكو وعرضه في «صندوق للقردة». وجدّد مقتل موسوليني هذا الكابوس في نفسه. وقد نقلت جثتا موسوليني وكلارا الى محطة بنزين في ميلانو في بيتزالي ليوريتو. وعلقا من اقدامهما. وتجمعت الناس ترشقهما بالحجارة وتبصق عليهما. قام هتلر الى قاعة الاجتماعات الكبرى في الخندق ليلقي كلمة الوداع الاخير.

الى اللقاء