زواج المسيار .. ليس قضية

TT

في عاصمة العالم الاسلامي وقلبه مكة المكرمة أم القرى عقد المجمع الفقهي الاسلامي جلساته المختلفة لبحث بعض القضايا التي تهم المسلمين في كافة أنحاء العالم. و«تفاجأ» البعض بإصدار المجمع فتوى تجيز زواج «المسيار» هذا الزواج الذي كان مثار جدل كبير، ولا يزال، حيث يعتبره بعض الفقهاء أنه وسيلة لتقنين المتعة الجنسية ولا غير، وانتشرت أخيرا الكثير من الطروحات الخاصة بمواضيع الزواج، منها زواج «المتعة» وزواج «فرند» وغيرهما.

وبدل الاهتمام بقضية فرعية كزواج المسيار، كان الأولى أن تتم مناقشة مشاكل الطلاق والمظالم التي تقع على النساء من لدن الرجال وهم يهضمون حقوقهن في الخلاص من حياة زوجية فاشلة مليئة بالظلم والاهانة، أو في ضمان حقوقهن بالحضانة والرعاية ورؤية ذريتهن. كل ذلك يحدث تحت أعين وعلم الكثيرين ومع ذلك يتم تجاهل هذا الأمر والتركيز على فتاوى ترضي بعض الرجال. والقارئ لهذه الفتاوى، والمتابع لبعض اعلانات الصفحات الأولى في الصحف السعودية عن أمراض الذكورة والمنشطات الجنسية وغيرها، يشعر أن لا مشكلة أهم من الجنس وتبريره ! إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في ضرورة وأهمية تطوير الافتاء الأسري الذي يزيل الغبن أو الظلم عن المرأة، وما يمارس ضدها من اضطهاد في الآراء والفتاوى والمحاكم.

هذا النوع من التعامل غير السوي للمرأة، وتجاهل حقوقها كانسانة وكأم، يساهم بشكل واضح وكبير في تكريس المجتمع المضطرب، وبالتالي من الممكن انتظار العديد من المشاكل والاضطرابات المصاحبة لذلك. الطلاق وتوابعه باتت آفة سرطانية بشعة تنهش في جسد المجتمع، ولا يزال التعاطي معها فقط من وجهة نظر اعلامية واكاديمية، بدون تطوير جدي وواضح للافتاء الأسري المسؤول الذي يتدخل بحزم وفعالية لازالة الغبن من على الزوجة ومنحها «التسريح باحسان المكفول شرعا» وكذلك تمكينها من حقوقها كأم لتمارسها مع أولادها وبناتها.

قرارات مجمع الفقة الاسلامي الأخيرة وخصوصا المتعلقة بموضوع حالات الزواج والمسيار تحديدا توضح الفجوة الكبيرة التي يعاني منها جوانب من «الافتاء» وبعده عن مواجهة التحديات الاجتماعية بحسب أولوياتها وأهميتها الحقيقية. استمرار تغييب المواضيع الأساسية عن طاولة الافتاء سيكون من نتيجته إنكار مستمر لمشاكل العالم الاسلامي الحقيقية، وهذا من شأنه أن يكلف الكثير عما قريب .