حماس ضحية من؟

TT

تمتحن الاتهامات الأردنية «حماس»، وكيف تتصرف ازاءها؟

الاقوال التفسيرية في التهمة الاردنية انها ملفقة هدفها إحراج «حماس» ومقاطعتها وبالتالي إجهاض انتصارها الشعبي. والقول الثاني انها دسيسة دبرتها أجهزة اخرى اسرائيلية او ايرانية او غيرها لتوريط «حماس» مع الاردن والدول الأخرى وإشعال معركة اقليمية مع «حماس». والقول الأخير إن «حماس» عاجزة عن ضبط كل المنتمين اليها، وهي اصلا حركة عسكرية لا سياسية ومن المحتمل ان ينشق عليها من يختلف معها وينشط عسكريا خارج معرفة قيادة «حماس».

وفي كل الاحتمالات الثلاثة «حماس» هي صاحبة القرار حيال وضعها ومستقبلها والتعامل مع التهمة الخطيرة التي اطلقها الاردن ضدها. ولا يحتاج الأمر الى كثير من التفكير لأن الخطوة الأولى هي ان تطلب «حماس» الاطلاع على أدلة الادانة والرد عليها ان كانت غير صادقة. والخطوة الثانية وهي أهم من ذلك بان تقرر «حماس» موقفها الحقيقي من العمل العسكري. فهي اما ان تكون مؤسسة سياسية تقبل بالمفاوضات او حركة تحرير تؤمن بالكفاح المسلح. فان كان قرارها النهائي هو الثاني عليها ان تقول ذلك علانية من دون مداورة او مناورة. ولا يستقيم ان تكون حكومة مدنية وحركة كفاح مسلحة في آن واحد لأن كل النظام السياسي القائم حاليا بني على اتفاقات سابقة ملزمة لمن يصبح في الحكومة ان يعمل بها.

أما تهمة فريق الاستطلاع الذي قبض عليه في الاردن يفتش عن اهداف لمهاجمتها فهي ليست المشكلة الرئيسية، سواء كانت صحيحة او مبالغا فيها او ملفقة. التحدي الذي يواجه «حماس» في الحكومة ان تقرر صفتها وبرنامج عملها، وهذا واجبها وحق الشعب الفلسطيني ان يسمعه منها. فقد ظن الكثيرون ان انخراطها في الانتخابات البرلمانية منذ البداية هو تحول في المفهوم والاداء، وقبول باللعبة السياسية. ان رفضت الحركة الوظيفة المدنية للحكومة واصرت على اعتبار السلاح هو خيارها الوحيد فان لذلك نتائج كبيرة أخرى. ستكون «حماس» قد نجحت في هدم البناء السياسي الفلسطيني الذي جاء بها، وهددت كل المنظومة التي بناها الراحل ياسر عرفات من اجهزة حكومية تنفيذية ومؤسسات تشريعية كالبرلمان وقضائية أيضا. بنيت الهياكل للدولة الفلسطينية في ظروف صعبة انتزعت كل خطوة باتجاهها من اسرائيل انتزاعا التي ما فتئت ترفض المبدأ وتشكك في شرعيتها وتطعن في ممارساتها وتهاجمها عسكريا ايضا. هذه التركة الثمينة اصبحت في يد حركة «حماس» بعد ان كسبت الانتخابات التي افرزتها مؤسسة السلطة الفلسطينية.

ان كانت «حماس»، بعد ان فازت بالاغلبية، لا تريد الالتزام بواجبات الحكومة ومفهوم الدولة المدني وتقدس الكفاح المسلح يصبح واجبها ان تصارح ناخبيها وتعلن انسحابها وتعود للمواجهة المسلحة. اما ان كانت تؤمن بانها هي الأخرى مؤسسة سياسية تشارك السلطة الفلسطينية، التي دخلت بيتها، نفس المبدأ ومستعدة لحكم مدني مسؤول وتتحمل مسؤولياتها، فإن هذه فرصتها، وهي فرصة الشعب الفلسطيني أيضا ان يرى ديمقراطيته تحترم ويرى حكومة تفي بواجباتها. اما الفاعل الحقيقي في التهمة الاردنية فقد يكون اي طرف، صديق او عدو، يريد خلط الاوراق واطالة امد الصراع.

[email protected]