سينغ.. ولوحة العلاقات الهندية الامريكية

TT

في وقت تسرع فيه حتى حكومات صديقة في إبعاد نفسها عن الولايات المتحدة ورئيسها المولع بالحرب والقتال، تعتبر الهند خارجة استراتيجيا عن هذا الموقف. فقد اختارت الدولة المهيجة في حركة عدم الانحياز هذه اللحظة لصياغة شراكة وثيقة مع واشنطن والتحدث بصورة ايجابية عن القوة الأميركية في الشؤون العالمية. وقال رئيس الوزراء مانموهان سينغ، وهو يحرك يده بطريقة معبرة،: «هذا الافتقار الى التعاون النووي هو آخر عقبة من علاقتنا القديمة، ويمكننا الآن ان نتخلص منها. وليست هناك عقبات اخرى أمام علاقة أكثر عطاء وديمومة مع الولايات المتحدة. والآفاق هائلة بالنسبة لبلدينا».

الهند هي الصين الجديدة في أنظار ادارة بوش التي وعدت بمساعدة العملاق الهندي، الذي كان هاجعا يوما ما، على التحول الى واحد من القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى الخمس أو الست في العالم. وقد أدى ذلك الوعد الى خلق إحساس جديد بالأمن في العاصمة الهندية وإزالة التوترات المديدة.

سينغ أثنى على «التفكير الجديد» في واشنطن خلال حديثنا معه، وتجاوز بسهولة مبيعات الأسلحة الأميركية المتجددة الى باكستان، والضغط الأميركي لاتخاذ إجراء ضد ايران ومواضيع اخرى أدت الى إغراق معظم أسلافه في تذمر مرير بشأن الامبريالية الجديدة.

وطرحت طريقة الزعيم الهندي الدقيقة والمتواضعة على نحو مؤثر لهجة معتدلة في ملاحظاته. ويمكن للزائر ان يدرك بسهولة لماذا ينال الثقة والاحترام من جانب نظرائه في العالم الفظ والمتقلب. غير أن ذلك لم يمنعه من أن يكون صريحا في تقييماته، فقد اعترف قائلا «نحن ندرك ان الولايات المتحدة هي القوة العظمى الأولى في العالم وان في مصلحة الهند أن تكون لها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة... كشريك مهم جدا في تحقيق طموحاتنا التنموية».

وسرعان ما اشار سينغ الى ان احدى طرق المساعدة في التنمية وحماية البيئة بالنسبة للكونغرس الأميركي كانت المصادقة على تغييرات تشريعية تمهد الطريق لأميركا من أجل توفير التكنولوجيا والتجهيزات النووية المدنية للهند بعد حظر دام 32 عاما بسبب تطوير الهند واختبارها أسلحتها النووية. وتوصل بوش وسينغ الى اتفاق في يوليو الماضي إلى اتخاذ خطوات متبادلة من أجل استئناف التعاون في مجال الطاقة النووية خارج معاهدة عدم الانتشار الدولية. وأقنع سينغ حلفاءه اليساريين في حكومة التحالف التي يترأسها «على عدم تحطيم السفينة» عبر معارضة «اتفاق هو في صالح الهند» بسبب شكوكهم بواشنطن.

وتأمل ادارة بوش في إجراء التغييرات التشريعية من خلال الكونغرس في مايو، وذلك يعني إعطاء بوش نجاحا هو في امس الحاجة اليه في مجال السياسة الخارجية، فضلا عن أول تأثير اميركي مباشر على برنامج الاسلحة النووية الهندي، الذين سيخضع جزئيا لإجراءات وقاية وتفتيش. لا يفكر سينغ في النتائج المترتبة على رفض الاتفاقية، لكنه حدد في معرض الرد على الاسئلة التي طرحت عليه شيئين لا يتوقع حدوثهما.

لدى سؤاله حول ما اذا ستضع الهند كل مفاعلاتها تحت الاجراءات المقترحة، أجاب قائلا: «لا... نريد ان يمضي العالم قدما باتجاه نزع السلاح النووي. ولكن هناك ظروفا تملي حاجتنا الى برنامج سلاح نووي استراتيجي. الجارة الصين قوة نووية، وعلى حدودنا الغربية هناك باكستان التي اصبحت قوة نووية ايضا وطورت سلاحها ضمن برنامج سري».

قال سينغ ايضا انه لا يستطيع ان يتخيل الظروف التي ستضطر الهند لاستئناف تجاربها النووية، وهو خيار يؤكد معارضوه انه حق يتعلق بالسيادة. وأوضح سينغ ان علماء هنودا ابلغوه ان البلاد ليست في حاجة الى إجراء تجارب جديدة، لكنه قال ايضا انه لا يستطيع التنبؤ بالمستقبل البعيد مؤكدا ان الهند ستواصل من جانب واحد توقفها عن تطوير السلاح النووي.

يمكن القول ان الحديث سلط الضوء على حقيقة ان ايجابيات مسودة الاتفاق النووي اكثر من سلبياتها، إذ يعني الاتفاق تخفيف الضغوط على اسواق الطاقة وخفض حجم التلوث عالميا وإخضاع جزء كبير من برنامج الهند النووي للإشراف الدولي.

سينغ قال عن زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للولايات المتحدة، في الاسبوع الحالي، محددا موقع نيودلهي من بكين وواشنطن :«الهند لا تعمل على تطوير علاقاتها مع واشنطن على حساب علاقاتها مع الجارة الصين، خصوصا ان التبادل التجاري بينهما في ازدياد مستمر»، كما اكد ايضا ان بوش قال له انه من الافضل ان تظل الولايات المتحدة ايضا على علاقة طيبة مع الصين.

لم ينس سينغ ايران، وحث واشنطن على تخصيص اكبر قدر ممكن من الحوار والمناقشات مع ايران، وأشار ايضا الى ان النظام الايراني ربما يكون في حاجة الى بعض الوقت لتهدئة الأمور، مؤكدا ان موقف الهند واضح في انها لا تريد ان تكون في المنطقة قوة نووية اخرى.

ثمة تحول في العلاقات مع الهند: من ماض كانت تشعر فيه بالغضب تجاه الولايات المتحدة، الى حاضر يشير الى انها ستصبح قوة مساعدة للولايات المتحدة مستقبلا.

إذن، يجب على مجلسي النواب والشيوخ ان يتحركا على وجه السرعة آخذين في الاعتبار هذا التحول في هذا البلد.

*خدمة «كتاب واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»