تلك هي المسألة

TT

في ما عدا «ثورة المليون شهيد» في الجزائر، كان الاستعمار اكثر رأفة بالعرب. لا اذكر كم فقد السودان في معركة الاستقلال، لكنه فقد 4 ملايين انسان في حرب الجنوب. ولا احصاءات عن حرب دارفور والجنجاويد لانها لا تزال في اولها. وكانت حرب عدن ضد الانكليز من اشجع وأهم حروب التحرير. لكن عدد الذين سقطوا فيها لا يعادل 2% ممن سقطوا في حروب اليمن الوطنية والقومية والاشتراكية والوحدوية.

وسقط في معارك استقلال لبنان ضد الفرنسيين ستة شبان على الاكثر. وسقط في حروبه الاخوية التي ترفع شعار الحرية والوحدة ومحاربة التقسيم نحو 200 الف وشرد نحو مليون. ووحد الانكليز الصومال ببضعة قتلى وقسمه الصوماليون بعشرات الآلاف. ولا يزالون.

الحرب الاهلية في الاردن والحرب الاهلية في الجزائر وحرب الاكراد والشيعة في العراق، بقيت بلا ارقام. لأن صدمة الرقم افظع من صدمة المشهد. ومنذ سقوط بغداد قبل ثلاث سنوات، هناك مائة الف قتيل على الاقل، والجميع يرفض ان يسمي المجزرة حرباً اهلية. والسبب الاول لفداحة هذه الحروب هو الكذب الفاضح في وضح النهار. فلو اقررنا ان هذه المجازر القاتلة والمدمرة هي حروب اهلية، لأمكن السعي الى وقفها او الى الوساطة بين فرقائها.

لكننا ما دمنا نكابر ونتكبر على القيم البشرية ولا نرى في الضحايا الا ذباباً وهواماً فلن يكون هناك حل. يجب ان نعترف ان المسألة كلها هي في موقف العرب من الموت والتشرد وعذاب الاطفال والنساء والارامل. يجب ان نعترف ان العراق خسر نحو مليون ضحية في الحرب مع ايران وان آلاف العائلات شردت وآلاف الاسرى خسروا عقدين من اعمارهم وآلاف المآسي غمرت العراق (وطبعاً ايران) ولم يصدر مقال واحد عن شيء. ولم يدر احد بمأساة احد. ولم يسمح لأحد بتأليف اغنية فيها موال. وبسبب هذا الموقف اللااخلاقي من الموت والحياة والعذاب شمت العرب بالكويت كفريسة للعراق. وفلسفوا معاني الغزو وفوارق الاحتلال. وهذا الموقف اللااخلاقي لن يسمح لنا بأن نرى حرباً اهلية في العراق. مجرد هوام ويموتون.