إنها كالجريمة لا تفيد!

TT

أقسم المؤرخ الكبير د. حسين مؤنس أنه وجد أستاذنا د. عبد الرحمن بدوي جالسا على مقهى ديماجو في باريس وقد نشر أمامه صحيفة (الموند) مستغرقا في قراءتها، ولما نظر إلى الصحيفة وجدها ميزانية شركة إير فرانس. ولما أطال النظر وجد أنه قد وضع علامات على الهوامش وتحت الأرقام وسأله: ماذا تقرأ؟ فقال وهو لا ينظر إليه: كما ترى! وانصرف وتركه يراجع ميزانية شركة الطيران العالمية. فما المعنى؟ لا معنى وإنما هي عادة انشغال بالأرقام والميزانيات التي لا تعنيه! ولم يكن د. مؤنس في حاجة إلى أن يقسم على صحة ذلك، ففي طوكيو وجدنا الصحافي الكبير موسى صبري مشغولا هو الآخر بمراجعة الفواتير، فواتير الوفد الصحافي المصري كله، مع أننا ضيوف على الحكومة، والمطلوب منا فقط أن نوقع على الفواتير فلا يعنينا كم بلغت، ولكنه لا يستطيع أن يستسلم لما جاء في الفواتير دون مراجعة، واعجب ما حدث أنه وجد خطأ في الحساب، أي أن الحاسبات الإلكترونية قد أخطأت وعاد وراجع الأرقام فتأكد لديه هذا الخطأ، وانقلبت الدنيا، فجاء مدير الحسابات ورئيس مجلس الإدارة ومندوب شركات الحاسبات الإلكترونية وتأكدوا من أن الخطأ حقيقي، وكان الخطأ عبارة عن «ين» واحد.

وقد أصابهم هذا الخطأ بفزع عظيم، فلا أحد يعرف منذ متى تخطئ هذه الآلات الحاسبة، هل الخطأ مكسب لهم أو خسارة عليهم، وإذا كان هذا في فاتورة واحدة فكم ألفا، كم مليونا في فواتير أخرى!

وتلقى الأستاذ موسى صبري الشكر والهدايا والدعوة بزيارة اليابان وتلقى ورودا من جهات لا نعرف من هي أو ما هي!

ونسأل: ولكن لماذا مراجعة الفواتير؟

لا يوجد سبب وإنما هي عادة لا فائدة منها! أو هي قدرة على الصبر وهذه القدرة تصل إلى درجة الموهبة التي لا جدوى وراءها! وفي أحد الأسواق في القاهرة يوجد موظف يقف على مقعد ويتلقى الأرقام ويحسبها بسرعة كان يقال له: نصف كيلو جبنه شيدر، ربع كيلو زيتون، كيلو أرز، وكيلو بطاطس و7 كيلو سكر، وغير ذلك من البضائع المختلفة الأسعار والأوزان، وبعد لحظة واحدة يقول الرجل السعر الشامل لكل هذه السلع! والغريب أنه يعرف أسعار كل البضائع وانه يجمع ويضرب ويطرح في لحظات، وتتزاحم على أذنيه أصوات الباعة، وهو لا يخطئ في الحساب، مقدرة موهبة ولا فائدة منها، ففي استطاعة الآلات الحاسبة أن تفعل ذلك، ولكن صاحب المحل احتفظ بهذا الموظف لإثارة الزبائن وجذبهم أيضا!