أحداث الإسكندرية

TT

أحداث العنف الطائفي الأخيرة التي شهدتها مدينة الإسكندرية قبل أقل من أسبوعين كشفت احتقانا دفيناً ومتراكماً في البلاد لم تعد تجدي معه لا التصريحات التي إما تدور حول نظرية المؤامرة الخارجية أو حول الاختلال العقلي، ولا الأحاديث التلفزيونية والمقالات الصحافية الاحتفالية.

باتت مشاعر الخوف والكبت لدى شرائح واسعة في مصر أكثر عمقاَ من محاولات الإعلام التعامل معها على طريقة أن حل المشاكل الكامنة هو في عدم الإشارة إليها لا من قريب ولا من بعيد، أو حلها على طريقة «كلنا إخوة وبنحب بعض»!

لا شك أن مصر شهدت في الفترة الأخيرة خطوات مهمة سواء من حيث الانتخابات أو من حيث نشاط هيئات المجتمع المدني وظهور أفكار جديدة تحاول مواجهة إحكام الدولة على الحياة السياسية والاجتماعية كما تحاول مجابهة المد الديني المتشدد. إلا أن التغييرات لا تزال تصطدم بواقع الإعلام الذي ما زال يعاني بصفته تركة ثقيلة من تركات ثورة يوليو، والخاضع لسلطة الدولة ورقابتها بشكل صارم. فمنذ أن أحكمت الدولة الخناق على الإعلام باتت الصحافة والإعلام الرسميان مسؤولين بشكل كبير عن الفجوة الهائلة بين حقيقة الكثير من القضايا المصرية الهامة وبين ما يقدم فعلاً للرأي العام المصري الذي يحوي مثل غيره جمهوراً واسعاً من البسطاء الذين لا يعرفون عالمهم إلا من خلال الشاشات المحلية.

ومن خلال مراجعة سريعة لبعض السقطات الخطيرة للإعلام يمكن استذكار على سبيل الذكر لا الحصر التغطية الضعيفة لكارثة غرق العبارة المصرية، إذ لم تستطع هذه المأساة أن تحصل على تغطية مماثلة لتلك التي حصلت عليها منافسات أفريقيا لكرة القدم والتي شاركت فيها مصر في نفس يوم الحادثة. فقد كان خبر تقدم فريق مصر الرياضي هو الخبر الأساسي في التغطية على حساب مأساة ضحايا العبارة وذويهم.

تكرر الأمر في مأساة اللاجئين السودانيين في وسط القاهرة والذين سقطوا برصاص الشرطة المصرية، فهؤلاء وبحسب الإعلام والصحافة الرسمية أثاروا هرجاً ولم يستجيبوا لدعوات إخلاء المكان. وقبل أسبوعين وحين أدلى الرئيس حسني مبارك بمقابلة خاصة لقناة «العربية»، والتي أثارت جدلاً لم يُطوَ بعد جراء موقفه القائل بأن معظم الشيعة في المنطقة ولاؤهم لإيران وليس لدولهم، تم حذف هذا المقطع من الصحف الرسمية ومن شاشات الإعلام الرسمي. وكأن حذفه يعني أنه غير موجود أو أن الرئيس المصري لم يدل به.

أما أحداث الإسكندرية الأخيرة فجرى التعامل معها تماماً كما تم التعامل مع أحداث العنف السابقة، من حيث العرض السريع والمبتسر للخبر وتجاهل أسبابه ومفاعيله سريعاً. أما اللغة الاحتوائية الكلاسيكية التي لا تتعمق في أصل المشكلة فلا تزال لازمة يرددها الإعلام بنفس الأدبيات التي نشأ عليها منذ الخمسينات.

صحيح أن مصر ليست وحدها من حيث إحكام السلطة لقبضتها على الإعلام، لكن التغييرات الحيوية المستجدة في البلاد تحتاج لأن تقترن مع إعادة نظر جدية وجريئة لدور هذا القطاع الهام.

diana@ asharqalawsat.com