لعبة النساء.. متى تنتهي؟!

TT

قرر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد السماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية، وذلك لأول مرة منذ قيام الثورة الإسلامية، الأمر الذي أفسره وفي هذا الوقت الاضطرابي بالذات، بأنه محاولة من الرئيس لكسب أكبر عدد من مؤيديه، وخاصة بعد تدهور شعبيته في الداخل انعكاساً للأوضاع الاقتصادية التعيسة التي يعيشها المواطن الإيراني، على العموم موضوعنا اليوم لا يتناول الشأن الإيراني، وإنما يتجه نحو المرأة المسلمة ووضعها في مجتمع كلما واجه أزمة أو أحب أن يوحي بتحضره.. قام بتصدير كرت المرأة والتلويح به، وهو إجراء لا يختلف في تصرفه عما قيل مؤخراً عن سياسة الرئيس بوش، وكيف أنه كلما عاش الأزمة قام هو الآخر بتغيير أحد العاملين في البيت الأبيض، بعبارة أخرى، المسألة ليس لها علاقة بالاقتناع الحقيقي بحقوق المرأة وفهم الدين لها، ولكنها مجرد وسيلة لإعادة الاعتبار للالتزام الداخلي انتصاراً على التظاهر الخارجي، فأين برامج الدولة التي تتناسب مع جدية طرح ورقة المرأة في مؤسسات البلاد ومواضع اتخاذ القرار؟ الجواب: يبقى تقسيم المجتمع الإسلامي موزعاً على أساس جنسي ينفرد الرجل فيه بالسيادة، وتبقى المرأة مخلوقاً تابعاً في صلاحياته لهذا الرجل حتى مع الاستثناءات التي قد تمنحها إحدى كراسيه التي ما زالت مقصورة عليه.

لقد تركتنا ثقافتنا الممزقة بين مستوى خطابي دعائي يصيح أصحابه بقيمة المرأة وإبرازها، وبين مستوى واقعي معاش تظل المرأة فيه عرضة للعن والتكفير والاتهام والانتقاد.. بين مناد مؤمن بأن الجنة تحت أقدام الأمهات، وبين مجتمع يزعم محدثوه أن معظم أهل النار من النساء، وكأن الأمهات لسن من النساء، وكأننا ندعو الابن إلى البر بوالدته، فإذا فعل ذهب هو إلى الجنة، وذهبت هي إلى النار، ولا أدري حقاً لم يكون تحذير الشيوخ موجهاً عادة للمرأة بجميع تفاصيل حياتها، ولا نسمع على نفس القدر من يلوم الرجل على خطاياه وما أكثرها كما يحصل عند الحديث عن المرأة! وإن كان مثيرا للملل تمسك كثير من الرجال المسلمين اليوم بنظرتهم الفوقية للأنثى، نظرة وصلتهم من عصور حكمتها الشخصية الذكورية ذات المصالح المعروفة، إلا أن الأكثر إثارة للشفقة والسخرية على السواء أن يظن المرء أنه بتمسكه هذا إنما هو يتقيد بالكتاب الكريم المنزل، فإذا كان قطاع من الفقهاء قد ذهب في عصور التدوين وتأصيل الفقه إلى ما ذهب إليه خوفاً من سلطة أموية أو عباسية، فليس ثمة ما يجبرنا على الالتزام بتفاسيرهم، إلا إذا كنا نخشى أن تطيح بنا رياح التجديد والاجتهاد، وأما المعاصرة، التي هي من العصر، فيكفيها فخراً أن الله تعالى قد جعلها محلاً للقسم في كتابه العزيز.

لقد ارتبط استمرار حياة العشيرة في الجزيرة العربية بطاقة المرأة على الإنجاب، ونتيجة لمحيط اجتماعي أصبحت المرأة فيه المصدر الحقيقي لتحديد مرجعية الأبناء المولودين من أزواج متعددين، فقد اختصت بخط الانتساب فنسب حملها إليها، إلى أن جُعل انتقال الإرث إلى أنسباء المتوفَى من طرفها، وما شيوع كلمة البطن والفخذ التي استعملها العرب وما زالوا ذات الارتباط المباشر بأعضاء المرأة وعملية الميلاد، سوى بمعنى العائلة أو العشيرة، وما لفظ الأمة سوى اشتقاق يعود بأصله إلى كلمة الأم، حتى لقد تضخم الاعتقاد بتوارث الصفات الطبيعية من الخال إلى الولد أكثر من أي شخص آخر، بل إن عبادة الشجرة المعروفة في عدد من المجتمعات القديمة، لم تكن غير تجسيد للحياة والخصوبة التي هي من صفات المرأة، ولكن، وبالرغم من كل ما قيل وعلى خلاف ما قد يتهيأ للرائي لم تكن المرأة العربية تتمتع في ظل العلاقات القبلية والرعوية ـ الأبوية بتلك المساواة الاجتماعية المتخيلة، فهي إن احتفظت بنصيبها في بعض النواحي، تراه خسرته واغتصب منها في النواحي الأهم، فيكفي وأدها حية وحرمانها من الإرث واستباحة الرجال لها، الأمور التي أبطلها الإسلام وكفل لصاحبتها مساواتها مع الرجل في الخَلْق والإيمان والتكليف، إنما نجد أنه ومع التوسع المجتمعي وتعقده في العهد الأموي، وقت اكتمال نشوء الدولة في جوهريها السياسي والتشريعي، قد أخذت مكانة المرأة في التدني وفرض القيود على حريتها وحركتها، بدءاً بحضور المساجد وانتهاءً بالمنع باستثناء العجائز، ليليه العهد العباسي فيقضي على البقية الباقية من آثار حضور المرأة المحترم، فمع توسع الفتوحات وتفشي الفساد والتفكك الاجتماعي والأخلاقي وانتشار الجواري والقيان والغلمان والخصيان، تقلصت مساهمة المرأة في مجتمعها، وانقسمت النساء إلى حرائر وجوار، في وضعية سهلت معها استغلال الرجل لها كذريعة لسيطرته على بنات جنسها، دون إغفالنا بطبيعة الحال لإساءة تفسير معنى القوامة، حيث الاختلاف المتكرر في فهم بعض الآيات والأحاديث المعنية بالنساء، عدا عن التحولات المتلاحقة التي جعلت المجتمع الإسلامي أقرب إصراراً للانغلاق والتأخر، وأكثر ترسيخاً لسلطته السياسية الاستبدادية، وبالتالي أميل قابلية لاستحداث عادات وتقاليد جاءت على حساب قدسية النص.

تنشيط وعي المرأة وتثقيفه شرط أساسي لتحسين وضعيتها الاجتماعية وكذا قابليتها للرفض والمقاومة والاختيار، غير أن الرجل وبسبب تكوينه النفسي وتنشئته البيئية على قيم وسلوكيات تدعم من تفوقه على المرأة منذ اللحظة التي يعي فيها أنه ذكر وأنها أنثى، يشير بالدلالة إلى أن التغيير الجذري لا ينبغي أن يكون في حدود العلاقة التسلطية بين الرجل والمرأة على مستوى الأفكار النظرية فحسب، ولكن على نطاق الممارسة العملية القريبة، وفي سياق التربية الفعلية ومنذ الولادة على المدى البعيد كذلك، مع حتمية ما يقتضيه الأمر من إجراء تعديل وتبديل في القوانين المدنية والأعراف الاجتماعية، بما ينسجم مع احترام القدرات العقلية والروحية للمرأة، بحيث لا يمكن الاستغناء عنها أبداً، وليس بتهميشها في منظومة المجتمع واستدعائها وقت الحاجة واجهة للتزيين وكسب النقاط، كما مع الإيرانيات وغيرهن في ملاعب أخرى.. في بلاد أخرى.