رؤية الشيخ (2 ـ 2)

TT

قرر الشيخ محمد بن راشد ان يفاتح الجميع في كتاب سماه «رؤيتي: التحديات في سباق التميز» صدر حديثا يستعرض فيه فكرة دبي كما صارت اليوم وخطط لها مستقبلا. وبالنسبة لنا فنحن في حاجة الى دبي، أعني نحن في حاجة الى التجربة الناجحة حتى نثبت انها قابلة للتنفيذ. وكم تحدثنا في الماضي عن سنغافورة والصين والهند والتشيك وغيرها لكنها تظل جغرافيا بعيدة، وظرفا غامضا، وسيجد كل طرف عربي عذرا لإخفاقاته. دبي حالة محلية، وحي مجاور، سهل تتبعها وفحصها ومقارنتها.

دبي ليست تجربة مناسبة فقط للدول النفطية بل على العكس تماما، هي افضل مثال للدولة العربية التي بلا موارد بترولية. بإمكان سورية او المغرب او السودان ان تتعلم من تجربة دبي التي تناقص نفطها ولم تجد في يوم مضى ما يكفي لتسديد مرتبات شرطتها. هنا الشيخ محمد سمّى المشاكل بالتحديات، كونها قابلة للتذليل متى ما وجدت الارادة.

يتحدث في كتابه عن نقطة بالغة الاهمية، وسر التخلف الاداري في الحكومات، ألا وهو مقاومة التغيير في داخل الجهاز البيروقراطي. يقول، «يجب ان يعرف القائد أسباب مقاومة التغيير. إذا اعتاد الانسان على ترتيب معين ارتاح اليه واطمأن. لهذا سيعارض ويرفض». ويقول مهندس دبي انه من اجل تغيير العقول الرافضة لم يلجأ لممارسة الاوامر «بل استخدمت كل الطرق لإقناعهم، او معظمهم». وقال انهم «عندما يقتنعون سيبدأون بالتغير والتغيير، وعندما يحدث ذلك سيكتشفون اشياء ممتعة في عملهم لم يكتشفوها من قبل».

ولعل واحدا من اهم الاسئلة التي كانت تحيرني هو كيف تسامى وتجاوز اهل دبي مسألة التعايش مع الاجانب كأنداد وكمواطنين تقريبا؟ فمن كثرة اسفاري اعرف ان العصبية طبيعة اجتماعية في كل مكان زرته وسكنته. كل الشعوب ترفض الغريب، والعرب من اكثر الناس رفضا للاجنبي.. يعلقون عليه الشرور، حتى لو كان ذلك الاجنبي عربيا مثلهم. في كتابه يشرح هذا الجانب البالغ الحساسية. يقول «نحن لا نؤمم ولا نصادر ولا نعتدي على اموال الناس، فمرحبا بالمال العربي المهاجر... آخرون من الهند ولبنان وباكستان والولايات المتحدة وسورية ومصر وفرنسا وغيرهم ينتمون الى أكثر من 150 جنسية يقولون اشياء مشابهة... اندمجوا في مجتمع دبي بسرعة. أعتقد ان هذا طبيعي لأن دبي مدينة بلا غربة. دبي مدينة بلا هامش. لا أحد فيها يعيش في هامشها.. دبي مدينة عربية الحضارة عالمية التطلع والمفهوم والامتياز». لا شك ان مثل هذا الانفتاح والسمو دليل مهم لكل طامح للنجاح، فالإقصاء فيه شيء من الحسد والانانية، ولا يجتمع الحسد والنجاح.

أخيرا على من اراد خريطة طريق للنجاح في منطقتنا المدمنة على الفشل ننصحه ان يفهم لماذا تنجح دبي، لا ان يطالع مبانيها واسواقها ومطارها وعدد سياحها. مهم ان يفهم لماذا يأتي هذه المدينة الصغيرة اكثر عددا ومالا من بلد ضخم كمصر او جميل كالمغرب. لماذا يضع الاجانب في دبي اغلى ما عندهم، اولادهم في مدارسها واموالهم في استثماراتها؟ انها الثقة بادارتها.

[email protected]