أزمة «أولاد الحرام»!

TT

يبدو أن وزير الطاقة والتعدين السوداني عوض أحمد الجاز رجل يستمد طاقته من وزارة الطاقة التي هو وزيرها، فلكلامه القدرة على إشعال الحرائق، وهذا تماما ما فعله الوزير «الجاز» أثناء مخاطبة الجماهير، ووصفه المناوئون لاتفاق أبوجا الخاص بدارفور بـ«أولاد وبنات الحرام».. وقد قامت الدنيا ولم تقعد ضد هذا الوزير الذي لم يستطع أن يخضع مفرداته لاشتراطات قاموس السياسة، فترك لها العنان لتصل إلى تخوم اللغة الحرَاقة التي يتداولها العوام الغاضبون. وقد استنكر كلام الوزير الأصدقاء والخصوم، فمن سمات أهل السودان أنهم أهل طبع رقيق ينأون بأنفسهم عن سقط الكلام وفاحش القول، ولو ترك السودان لفطرة أهله لكان بلد السلام، ولكن من يسلم من مكايد السياسة؟ لله دره.

وبعيدا عن الوزير الجاز والسياسة والسياسيين سأتحدث هنا عن مناقب الإخوة السودانيين كما عرفتهم في مدينة جدة، منذ أن جاءت طلائعهم الرياضية في عقد الخمسينات ليسهموا مع اللاعبين السعوديين في تطوير كرة القدم، فكانت الفرق الكبيرة في جدة مثل الاتحاد والأهلي والهلال البحري تتشكل من عدد كبير من اللاعبين السودانيين الذين يلعبون في أنديتنا، ويسكنون أحياءنا، ويتفاعلون مع سائر ضروب حياتنا بقدر كبير من الود والمشاعر الحميمة، وأتذكر مصطلحاتهم وأمثالهم الكروية الطريفة مثل قولهم «إذا فاتك الكفر لا يفوتك الزول».. أي أنك إذا لم تلحق بالكرة فلا تدع اللاعب يمضي إلى المرمى، فـ«الكفر» هنا يقصد به الكرة، و«الزول» هو الرجل أو اللاعب الخصم.. وقولهم: «إن أردت شهرة في لمح البصر.. يا تعزف وتر يا تدق كفر»، أي أن الشهرة لها طريقان، فإما أن تكون عازفا أو لاعب كرة. ولن أنسى أستاذي السوداني الظريف جعفر الذي كان يعلمنا مادة الترجمة حينما كان يترجم قصة «أندروكلس والأسد» من الإنجليزية إلى العربية فكان يلجأ إلى ظرفه المعهود ليمنح الدرس تشويقا، فيقوم بترجمة النص على مراحل، إذ يبدأ الترجمة أحيانا من الإنجليزية إلى السودانية الدارجة، كأن يقول: «الوليد يكورك في خشم الزول»، والمقصود طبعا أن «الولد الصغير يصرخ في فم الرجل».

ما أردت أن أقوله إن الإخوة السودانيين كما عرفتهم يتسمون بالألفة ورقة الطبع، فلكبريائهم شموخ الصواري ولقلوبهم أجنحة عصافير، وهم أهل فن وشعر وعاطفة، ولا مساحة شاغرة في قلوبهم للغلظة والقسوة والعنف.. ولذا تجدني أتمزق حزنا كلما طالعتني الصحف بأخبار مذابح دارفور وصراعات الشمال والجنوب لأنني على ثقة بأن الأيدي التي صنعت فتن السودان لا يمكن أن تنتمي سيكولوجيا إلى ذلك المجتمع العاشق للجمال والسلام والمحبة، فهي نقاط قاتمة معتمة لا بد أن يحاصرها السودانيون ببياض فطرتهم.. فهل يفعلون؟

[email protected]