اقتراح برسم المالكي

TT

من الواضح أن رئيس الوزراء العراقي المكلف، السيد نوري المالكي، مثل سلفه ابراهيم الاشيقر (الجعفري)، لم يحظ بمستشارين أكفاء يمكن ان يقدموا له النصيحة المناسبة في الوقت المطلوب. ولو توفر له المستشارون الاكفاء لكانوا قد ساعدوه في حل معضلة تشكيل حكومته خلال أيام بعد تكليفه.

منذ أربعة اسابيع والسيد المالكي غارق في دوامة تشكيل الحكومة، حتى انه لا ينام من الليل الا بضع ساعات، كما افادت بعض التقارير التي زادت بالقول انه اضطر لإغلاق هاتفه المحمول لتفادي إهدار وقته في الهذر مع طلاب المناصب الوزارية.

تشكيل حكومة في العراق «الجديد» أشق مهمة في العالم. والدليل ان الحكومة الموعودة ولادتها اليوم، وكذلك سابقتها حكومة الجعفري، أخذ تشكيل كل منهما وقتا أطول من الوقت الذي احتاجته إطاحة نظام صدام حسين. فمهمة تشكيل الحكومة العراقية تستند نظريا الى دستور ديمقراطي (في العموم)، لكن إنجازها لا يتحقق ـ بالأحرى لا يراد له أن يتحقق ـ على أساس هذا الدستور، وإنما وفقا لنظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي كرسته العملية السياسية الجارية منذ انتخابات اول العام الماضي التي أسفرت عن حكومة الجعفري المنتهية ولايتها.

السيد المالكي يريد أن يحمل رمانتين بيد واحدة، وهذا غير ممكن حسب المثل العراقي الدارج... انه يريد أن يشكّل في الآن ذاته حكومة وحدة وطنية تفرضها ظروف العراق القاهرة وحكومة محاصصة طائفية ـ قومية لا تتوافق مع ظروف العراق هذه، ولا مع دستوره، ولا مع تقاليده السياسية، لكنها مطلوبة بقوة من الطائفيين، الشيعة والسنة على السواء، الذين جعلهم سوء الحظ الملازم للعراق وللعراقيين، متحكمين بالعملية السياسية، بدعم ورعاية من سلطة الاحتلال الاميركي ـ البريطاني.

لو كان السيد المالكي قد توفق بمستشارين أكفاء لنصحوه بأن يختار ما بين حكومة الوحدة الوطنية وحكومة المحاصصة الطائفية ـ القومية. حكومة الوحدة الوطنية تتطلب معاملة القوى السياسية باعتبارها اندادا لبعضها، مع الأخذ في الاعتبار، نسبيا، ما يعرف بالاستحقاق الانتخابي. اما حكومة المحاصصة الطائفية ـ القومية فلا تدخل في الحسبان أي اعتبار او استحقاق وطني. وكل ما يتطلبه أمرها ان يتفق ممثلو الطوائف والقوميات الرئيسية على إقامة دكتاتوريتهم التي لا تتيح للقوى السياسية الوطنية الا ان تكون معارضة مشاغبة.

ولو كان للسيد المالكي مستشارون أكفاء لاقترحوا عليه، بديلا لهذا كله، ان يجمع كل القوى الطامعة في الحقائب الوزارية والمتقاتلة عليها ويعلن عليهم انه وجد من المستحيل ان يوفق بين مطالبهم ـ بالاحرى مطامعهم ـ وانه بالتالي لا يرى مخرجا من هذا المأزق الكبير والنفق الطويل إلا بإجراء قرعة لتوزيع الحقائب الوزارية، فيأمر بإحضار صندوق واوراق بيضاء ولوح اسود. هذا اللوح تُسجل فيه اسماء الكتل وفقا لتسلسلها الهجائي او لتسلسل ارقامها الانتخابية. والاوراق البيضاء تُسجل عليها اسماء الوزارات، والصندوق توضع فيه هذه الاوراق بعد طيّها او لفّها، ثم تجري عملية القرعة بسحب الاوراق الواحدة بعد الاخرى.

اذا لم يفلح السيد المالكي حتى هذا اليوم في حل معضلة حكومته فهذا الاقتراح برسمه، وهو جادّ جدا، واذا كان هناك من يرى فيه قدرا من السخرية فلينظر الى مقدار المسخرة التي انطوت عليها عملية تشكيل الحكومة ومقدار الاهانة التي وجهتها هذه العملية للوطنية العراقية.