ولقد صنعتك من هوايا ومن جنوني!

TT

صدفة أو عن عمد، جلست إلى عدد من ملهمات شعرائنا الكبار، شيء واحد يجمع بينهن: لسن جميلات. قال الشاعر كامل الشناوي:

كوني كما تبغين لكن لن تكوني

فأنا صنعتك من هوايا ومن جنوني

ولقد برئت من الهوى ومن الجنون.

كل كلامه صحيح، إلا أنه لم يبرأ لا من الهوى ولا من الجنون! فالملهمات صناعة شعرية. ولولا أنه ليس مألوفا عندنا أن نذكر ملهمات الشعراء وكلهم وكلهن قد ماتوا لذكرت الأسماء وأين ومتى وكيف، ولكن يمكن أن يقال شيء ما.

قابلت ملهمة الشاعر أحمد رامي وكانت له ملهمات كثيرات جدا، هو يقول وكان يتعمد ذكر بعضهن، والسبب هو إخفاء حقيقة الملهمة المصرية. أو الملهمة السورية، جلست مع السورية، نعم بيضاء وكل السوريات كذلك. حلوة ولكن دمها ثقيل جدا، حاولت أن أذهب إلى ماضيها، لم أجد شيئا يجذبني إليها ولا حتى كلامها عن الشاعر الكبير؟!

جلست الى ملهمة بلدياتي الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، فصيحة وأديبة وبارعة في الكتابة وعندها إحساس مرهف، وبس، ولكن لا أستطيع أن أحبها، ولا أطيقها أكثر من ساعة، ولا أعرف كيف أنهما كانا يتكلمان بالساعات لا طعام ولا شراب.. كيف؟

وعلى مضض قابلت ملهمة الشاعر صالح جودت، وكنت لا أحبها، لأنها كانت سببا في عذابه، من يدري ربما كان يستعذب هذا العذاب، ووجدتها تتحدث عن نفسها أكثر من الحديث عنه، ووجدتها لا تحفظ له بيتا واحدا، بينما تحفظ كل أشعار علي محمود طه ومحمود حسن إسماعيل، غريبة! أما ملهمة استاذنا عباس العقاد فهي ولا حاجة!

(سعيت) إلى معرفة ملهمة الشاعر بلدياتي علي محمود طه صاحب قصيدة (الجندول)، التي تغني بها عبد الوهاب، جميلة والله، جلست إليها وكنا دائما أمام المرآة هي تريد ذلك وهي ترى نفسها طول الوقت وتسوي شعرها وتلون شفتيها وأظافرها. وتقوم وتقعد بلا سبب إلا أن ترى فستانها، وبقدرة قادر تحس أنك ترزي أو كوافير، وأن المطلوب منك بعد أن ترد على تساؤلاتها عن فستانها أو شعرها أو لون أظافر يديها أو قدميها.

عندك يقين واحد أن الشعراء مجانين وأن ملهمات الشعراء من صنع الشعراء من هواهم ومن جنونهم، في عيونهم وآذانهم وخيالهم، وإن كن يملأن عينيك ولا يدخلن أذنيك ولا يزاحمنك في فراشك وأحلامك!