أبو مصعب

TT

في جامايكا تلك الجزيرة المعروفة ببحر الكاريبي ظهرت في الستينيات الميلادية مجموعة دينية غريبة كانت تعتمد في طقوسها على إطالة الشعر بشكل «اسفنجي» غريب وتدخين نبتة الماريجوانا المخدرة بشكل كثيف ، وكانت تؤمن بأن الإله «جاه» الذي يعبدونه تجسد في الامبراطور الاثيوبي هيلاسلاسي باعتباره أول ملك اسود أفريقي في العصر الحديث ، وأنه فاتحة الخير للسود عموما وانتشر هذا الفهم عبر «غسيل دماغ» محكم في حفلات موسيقى الراجي الصاخبة التي انطلقت من جامايكا نفسها وعبر تدخين الماريجوانا ايضا. إنها صناعة الوهم والخرافة ومن يتبعها ! ومضت الأيام وقام منغستو هيلي ميريام أحد الضباط الاثيوبيين بانقلاب دموي عنيف على هيلاسلاسي ومن شدة انتقامه قام بدفن رأس هيلاسلاسي في الحمام وغطاه بالاسمنت المسلح ، وقام بوضع مكتبه الشخصي فوق كل ذلك.

تذكرت كل ذلك وأنا أرى النهاية المأساوية لأبي مصعب الزرقاوي، هذا الرجل الذي تلطخت يداه بالدماء البريئة وبدا كأنه «يسكر» ويتلذذ برؤوس الابرياء ودمائهم وهي تسيل ذات اليمين وذات الشمال وكأنه يحارب العالم بلا هدف وبلا معنى. لقد تحول الزرقاوي الى أداة مرعبة ووسيلة مدمرة لا علاقة لها بدين ولا غيره ، ومع كل هذا السجل المشين له وافعاله المرهبة كان يجد من يبرر له ويجد الأسباب والذرائع بل ويؤيده أيضا . إن المظهر الحزين الذي يمر به العالم الاسلامي.. مجرم سفاح يعبث في عباد الله فيقتل من يشاء ويدمر من يشاء بغير حساب ويجد من يبرر له افعاله الدنيئة ! حتما هناك خطأ ما !! في كل بقعة كان يظهر فيها الزرقاوي أو من يشبهه كانت الأصوات العاقلة تظهر لتقول «لا .. هذا ليس الاسلام وهذا لا يمثل الاسلام»، ولكن نماذج الزرقاوي «زادت» وكثرت أعدادها وهذا يوضح أن هناك مشكلة جادة لم يتم مخاطبتها بالوضوح الكافي حتى هذه اللحظة، وبالتالي الموضوع والتحدي لا يزالان قائمين.

النهاية التعيسة والحياة البائسة للشقي أبي مصعب الزرقاوي فيها رموز عديدة لـ«من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره». سيكثر الحديث هذه الايام عن أبي مصعب الزرقاوي وحياته وارهابه ونتاج ما ترك، ولكن الزرقاوي هو نتاج فكر وثقافة وهكذا يجب أن ينظر اليها فلا هو شي غيفارا ولا هو روبن هود ولا دون كوهوتية ولا حتى غراندايزر ! هل يفيق من اقتنع «مخدرا» بالزرقاوي وشاكلته ويعلم أنه لا يصح إلا الصحيح وأن دينا بني على التقوى لا يمكن أن يقبل بتصرفات الزرقاوي وشركاه لأنها ببساطة ضد الفطرة السوية ؟

[email protected]