تنامي نفوذ إيران في العراق يقلق الأردن

TT

دخلت القيادة الاميركية الى منتجع كامب ديفيد، لتدرس ما آلت اليه الاوضاع في العراق وطرق الانسحاب العسكري منه بطريقة تختلف عن انسحاب القوات السوفياتية من افغانستان. لكن، اذا كنا في الاشهر الطويلة الماضية نلاحق التطورات في افغانستان، والعراق، وايران، وعند الفلسطينيين واسرائيل، فمن المحتمل ان نبدأ تكثيف الاتصالات لمعرفة تطور الاوضاع في الاردن خصوصاً بعد مقتل ابو مصعب الزرقاوي.

لقد صارت منطقة الشرق الاوسط مليئة بالثقوب الواسعة التي تتدفق منها مشاكل مترابطة ومتربصة، تقع في العراق وتترك أصداءها وترسباتها في الخليج، ولبنان، او في الاراضي الفلسطينية والاردن. في 27 نيسان (ابريل) كتبت في هذه الصفحة مقالا بعنوان:«من افغانستان الى العراق وايران: اشهر الرعب القادمة» والمتتبعون اليوم يرون ما يحدث في افغانستان من عودة قوية لمقاتلي طالبان، وما يستمر في الحدوث في العراق، وما سيحدث في ايران، وهذه المرة يمكن اضافة الخطر المحدق بالاردن اذا لم تغير الادارة الاميركية وبشكل جذري سياستها في المنطقة، وهذا امر صعب.

بعد مقتل الزرقاوي، كثرت التحليلات عن ابعاد تأثيرات موته، لكن محللين كثيرين لاحظوا ان هذا لم يخفف من غضب الشارع في الاردن، والعراق، والاراضي الفلسطينية، تجاه واشنطن وتجاه اسرائيل، والذي يربط هذه الامور ببعضها البعض ان الولايات المتحدة تقول انها تريد نشر الاستقرار والديموقراطية في العراق، في حين تريد اسرائيل تدجين الشعب الفلسطيني وحل القضية الفلسطينية بطريقة احادية الجانب، على امل ان تنتهي من المشكلة، أما الاردن فانه يرغب في ان تجد القضية الفلسطينية حلا، لكنه يشعر بأنه عاجز امام اي حل.

ان مقتل الزرقاوي لن يقدم او يؤخر في ما يتعلق بالقرار الاميركي في البقاء او الانسحاب من العراق، لأن اي انسحاب اميركي الآن منه، سيغرق تلك البلاد في بحر عاصف من الدماء، ما يعني ان الولايات المتحدة مضطرة الى البقاء في العراق وهذا بدوره يشير الى ان الغليان في بعض الساحات العربية سيبقى على ما هو عليه ضد واشنطن وحلفائها. الاضعف في حلقة الحلفاء هو الاردن القلِق من تنامي الغضب في بعض مناطقه ومع تأكد المسؤولين فيه من ان المقاومة العراقية قد تزداد شراسة، لأن الاميركيين والاستخبارات الاردنية ازاحوا عنها عبء الزرقاوي الدموي والبغيض والمجرم، ويمكنها الآن ان تصنّف نفسها بانها مقاومة وطنية ضد الاحتلال.

ان ما يقلق عمان ايضاً هو تنامي النفوذ الايراني في العراق وفي لبنان، ولا يمكن الاستهانة بهذا القلق، خصوصاً ان في الاردن اكبر نسبة من الفلسطينيين خارج الاراضي المحتلة، وهؤلاء غير مرتاحين للتعاون الاردني ـ الاميركي في وقت يعاني فيه الفلسطينيون في الداخل الأمرّين لا سيما بعد انتخابهم حماس، واستغلال ايران لهذه المعاناة. اما الولايات المتحدة فهي ترى انه من المهم جداً ان يتعاون معها الاردن في حربها ضد الارهاب، بدون ان تشعر هي انها لو ساهمت جدياً في ايجاد حل للصراع العربي ـ الاسرائيلي، لأظهرت حسن نواياها تجاه الاردن، الأمر الذي يحتاجه العاهل الاردني الملك عبد الله. في غياب هذا الدور سيبقى الاردن عرضة لعدم الاستقرار، وهذه ليست بالمكافأة التي يستحقها ملك شاب يعمل باندفاع لإنقاذ سيادة بلاده، لا سيما ان القادة العسكريين الاسرائيليين لا يتوانون بين فينة واخرى من ارسال اشارات تهديد الى الاردن ومستقبله. والاسبوع الماضي في حديث الى صحيفة «هآرتز» اقترح الجنرال جيورا ايلاند، الرئيس السابق لمجلس الامن القومي المسؤول عن وضع استراتيجية الحكومة الاسرائيلية، خطة لحل القضية الفلسطينية، ومن بين ما تنص عليه : ضم اسرائيل 12% من الضفة الغربية، اي حوالي 600 كلم مربع، واقتطاع مساحة 100 كلم مربع من الاردن واعطاؤها للفلسطينيين كتعويض عما ستضمه اسرائيل من الضفة الغربية.

ومع انشغاله بانعكاسات الوضع الفلسطيني عليه، يتابع الاردن بقلق تنامي النفوذ الايراني في العراق، وكيفية تطور هذه العلاقة عبر السنوات. وما سيكون لها من ابعاد استراتيجية ليس فقط في العراق بل في لبنان ايضاً. والمشكلة ان الوضع المتفجر في العراق سيغذّي عدم الاستقرار في الدول المجاورة له، والاردن على يقين ان استقراره صار معّرضاً للاهتزاز، ولكن مثله مثل الولايات المتحدة والدول العربية، لا يعرف الطريقة لتهدئة الاوضاع في العراق.

قبل فترة قصيرة طلب الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش من وزراء خارجية، ودفاع، ومسؤولي الامن القومي السابقين، ان يبحثوا في جلسات مغلقة مسألة الخروج من المأزق العراقي، بحيث لا تبدو الولايات المتحدة وكأنها مُنيت بهزيمة استراتيجية. قام قسم من هؤلاء المسؤولين السابقين بزيارات الى بعض الدول العربية والتقوا زعماءها وسألوهم رأيهم حول كيفية الخروج، فكان جوابهم: ألم نحذركم من مغبة الامر، ألم ننصحكم بعدم غزو العراق؟ ولما اصّر الاميركيون على: «وما العمل اليوم»؟ ظل الجواب العربي: ألم ننصحكم، ألم نحذركم؟ فرد الاميركيون: ولكن لماذا مع التحذير والنصيحة سمحتم للقوات الاميركية باستعمال اجوائكم ومرافئكم وايضاً اراضيكم؟ فما العمل الآن؟

لم يأتهم اي جواب، فتحول تركيزهم الى ايران. في هذه الاثناء كانت الادارة الاميركية تتكلم عن ايجاد حل ديبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الايراني، وإن كان الرئيس بوش ظل يقول ان كل الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة بما فيها الخيار العسكري. ويقول لي مصدر اميركي: عندما تمزج الادارة الاميركية الحل العسكري بالخيار الديبلوماسي، فيعني ذلك انها في موقف ضعيف ومشتت، ولو كانت في موقف قوي وواثق لما اتت على ذكر المحاولات الديبلوماسية. ويشير الى العراق فيقول ان الرئيس بوش لم يطرح على صدام حسين في اي مرة الخيار الديبلوماسي، فقط نادى بتطبيق العراق لقرارات الامم المتحدة السابقة، حتى اذا لم يطبقها بحذافيرها توفرت ذريعة الحرب.

ان تعاون ايران مع الولايات المتحدة في الحرب على افغانستان، واستهداف المحافظين الجدد العراق بعد افغانستان وليس ايران، وسوء الحسابات العسكرية للمدنيين في وزارة الدفاع الاميركية، لربما ساهم في جعل ثمرة الحرب الاميركية على العراق تقع في الحضن الايراني. كذلك صبت المصالح الايرانية في اهداف المصالح الروسية والصينية، ويعود الفضل ايضاً الى الحقد الاعمى الذي سيّر سياسة المحافظين الجدد لاعتقادهم بانه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي يستطيعون محاصرة روسيا، بانتظار ان تقوم الثورة ضد النظام الشيوعي في الصين. وبعدما كان الاعتقاد بأن الغزو الاميركي للعراق سيجعل سعر النفط يصل الى 20 دولارا للبرميل، تفاقمت المشاكل واضطرت واشنطن الى تقديم عرض مغرٍ الى ايران رغم تأكيد روسيا والصين انهما لن تقبلا بأي قرار دولي يقوم على الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، كما انهما رفضتا ان يتضمن اي عرض إجبار ايران على تنفيذه تحت طائلة فرض العقوبات عليها، وبعد 31 ايار (مايو) بدأت المساومات الايرانية.

اثر سقوط طالبان في افغانستان، دعا الاخضر الابراهيمي مندوب الامم المتحدة كل الاطراف الافغانية الى الاجتماع في بون / المانيا لتشكيل حكومة جديدة، كانت الولايات المتحدة وايران مشاركتين، واجرى الطرفان محادثات حول مستقبل افغانستان. يومها ارسل كولن باول وزير الخارجية آنذاك احد كبار مساعديه ليمثل اميركا الى جانب زلماي خليل زاد المندوب الرئاسي، وارسلت ايران وكيل وزارة الخارجية آنذاك جواد ظريف سفيرها الآن في الامم المتحدة. اثناء مباحثات الطرفين قال الايرانيون للاميركيين: «ان لدينا الكثير من الامور المشتركة، منها العداء لطالبان ولصدام حسين، ثم ان ايران كانت تدعم التحالف الشمالي (احمد شاه مسعود) في افغانستان وكذلك تفعل اميركا». وعندما اعّد المتفاوضون الافغان بمشاركة الاميركيين الوثيقة لتشكيل الحكومة، وراجعها الايرانيون لفتوا نظر الاميركيين الى ضرورة ان تتضمن نصاً يتعلق بمحاربة الارهاب، ونصحوهم بإضافة نص يدعو الى تشجيع الديموقراطية، يومها شعر الايرانيون بانهم ساعدوا الاميركيين. ثم جاء موضوع تدريب الجيش الافغاني الجديد، فاقترح الايرانيون ان يقوموا بتدريب بعض الفرق لاسيما تلك التي ستنتشر على حدودهم، على ان يقوم الاميركيون والاوروبيون بتدريب الفرق الاخرى. فحمل مبعوث كولن باول الاقتراح وعاد الى وزارته والى وزيره بالذات، فطلب منه باول ان يذهب ويعرضه على كوندوليزا رايس وكانت مسؤولة الامن القومي، وهي بدورها طلبت عرضه على وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي رفضه. والسؤال الآن، لماذا رفض رامسفيلد وجماعة البنتاغون ومكتب نائب الرئيس ديك تشيني ذلك العرض الايراني؟

حسب المعلومات التي توفرت للمسؤولين السابقين، الذين طلب منهم الرئيس بوش ايجاد مخرج للقوات الاميركية في العراق، ان البنتاغون ونائب الرئيس كانوا غاضبين من الايرانيين لانهم ارسلوا سفينة «كارينا» الى الفلسطينيين، ما يعني انهم يساعدون العنف الفلسطيني، وعندما أُبلغ ظريف بسبب الرفض قال «آتونا بإثبات ان الحكومة الايرانية على علم بهذا الامر، او ان لها ضلعاً فيه، او ان الرئيس محمد خاتمي كان مطلعاً على هذه الصفقة، اعطونا اسماء». ربما كان الحرس الثوري وراء الباخرة، لا احد يعرف. وانتهت الاتصالات الاميركية من دون ان تكافأ ايران على تعاونها في افغانستان. لذلك يريد الايرانيون اليوم ثمناً مسبقاً على تعاونهم في العراق، لأن تلك التجربة جعلتهم يشكّون في النوايا الاميركية، وهم الآن يشعرون بانهم في موقع اقوى في العراق وفي المنطقة، يضاف الى هذا ان اسعار النفط مرتفعة وهذا من مصلحتهم، وبالتالي فانهم في المفاوضات المقبلة بينهم وبين الاميركيين لن يقدموا المساعدة لاميركا إلا مقابل ثمن واضح جداً.

من جهة اخرى، تتسع داخل واشنطن حلقة المطالبين بحوار اميركي/ ايراني، لكن مثل هذا التحول في السياسة الاميركية يحتاج الى تغيير كامل في استراتيجيتها تجاه كل الشرق الاوسط، وهذا بدوره يؤثر على المصالح الاسرائيلية، ثم ان وضع بوش الداخلي ضعيف ولا يسمح له باتخاذ قرارات حاسمة من هذا النوع، من هنا جاءت الاشارة في البداية الى التطلع نحو الاردن!