أبو نضال وأبو مصعب الزرقاوي: نهاية واحدة ونتائج متشابهة

TT

مهما بقي الناس يتحدثون عن «أبو مصعب الزرقاوي» وصولاته وجولاته ودمويته فإنهم بالتالي سينسونه كما نسوا كثيرين سبقوه على هذا الطريق المظلم ومن أهمهم ربما صبري البنا (أبو نضال) الذي تفنن في ذبح زملائه من قادة حركة «فتح» والذي تخلصت منه مخابرات صدام حسين قبل احتلال العراق بفترة وجيزة بعد ان نقل بندقيته من كتف الى كتف آخر أكثر من مرة وأجَّر هذه البندقية مرات عدة.

لم تكن بداية (أبو نضال) كبداية (أبو مصعب الزرقاوي)، وكذلك نهايته أيضاً، فصبري البنا هو أحد أبناء جيل نكبة فلسطين وكان قد انتقل الى حركة «فتح»، التي خرج عليها لاحقاً، في بدايات عقد ستينات القرن الماضي بعد ان أمضى عدة أعوام في حزب البعث الذي انتمى إليه عندما كان لا يزال طالباً صغيراً في إحدى مدارس نابلس في الضفة الغربية.

ولذلك، وبحكم انتمائه السابق الى حزب البعث وبحكم معطيات مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، فقد حرص أبو نضال عندما كان في حركة «فتح» وبعد ان انشق عليها على التظاهر بالانحياز الى التيار القومي اليساري ولاحقاً الى الاتجاه الماوي، نسبة الى زعيم الصين السابق ماو تسي تونغ، في الحركة الشيوعية العالمية التي انقسمت كما هو معروف الى جناح صيني أكثر تشدداً وثورية والى جناح سوفياتي وصف بأنه أخف ثورية وأقل ماركسية.

وبهذا فإن «ابو نضال» الذي انتهى قتيلاً على أرض العراق، ولكن برصاص مخابرات صدام حسين، لم يكن مثله مثل (أبو مصعب الزرقاوي) على علاقة حسنة مع التيارات الإسلامية العربية وغير العربية وبخاصة الإخوان المسلمين، وقد بقي يعتبر نفسه قومياً يسارياً حتى بعد ان انتقل بعد نهايات عام 1979 من بغداد الى دمشق ومن دمشق الى طرابلس الغرب في «الجماهيرية العظمى» وغدا من المعجبين بـ«الكتاب الاخضر» وبـ«اللجان في كل مكان» !!.

أما (أبو مصعب الزرقاوي) فإنه بعد مرحلة الطفولة التي اتسمت بالشقاء و«الشيطنة» فقد انتقل دفعة واحدة الى معسكرات «القاعدة» في أفغانستان التي تخرج منها ليصبح قاتلاً محترفاً يقطع رقاب الأبرياء بدون أن يرف له جفن ويصدر فتاوى دموية بدون علم ولا معرفة وبسذاجة أُميٍ لم يقرأ في حياته أي كتاب.

كان أبو نضال يبرر ذبحه وبطشه ودمويته بمتطلبات القضية الفلسطينية وكان يصف نفسه بأنه إبن قضية وأنه لا يتورع عن القيام بأي شيء من أجل هذه القضية، أما الزرقاوي فإنه بدأ قاتلاً بلا أي هدف محدد وأنه اختار «القاعدة» واختار الذهاب الى أفغانستان أولاً ثم الى العراق بعد ذلك من أجل القتل وليس غير القتل، وذلك رغم أنه أطال ذقنه ووضع «سواكاً» في خاصرته ورفع راية: «لا إله إلا الله.. والله أكبر» فوق خنجره.

لكن، ورغم كل هذا التباعد في التوجهات السياسية والفكرية والعقائدية، فإن ما جمع ما بين صبري البنا وأحمد فضيل نزال الخلايلة، بالإضافة الى أنهما انتهيا قتلاً على أرض العراق، هو أنهما تنقلا من العمل لحساب مخابرات إقليمية وعربية الى حساب مخابرات إقليمية وعربية أخرى أكثر من مرة، وأنهما أيضاً أظهرا عداءً للأردن بدا في أكثر الاحيان أنه غير موضوعي ولا مبرر له سوى أنه يأتي في إطار عنوان: «بندقية للإيجار».

لقد انتهى أبو نضال النهاية المأساوية التي يستحقها، فنظام صدام حسين، الذي استخدمه حتى ضد حركة «فتح» وحتى ضد منظمة التحرير الفلسطينية وضد عدد من أفضل قادة الشعب الفلسطيني، لم يجد ما يفعله به، عندما انتهت مهمته وعندما لم يعد قادراً على الإستمرار، إلا إطلاق الرصاص على رأسه وعلى غرار ما يفعله الإنكليز بخيولهم عندما تصبح هرمة ولا تستطيع القيام بأي عمل.

ولقد انتهى (أبو مصعب الزرقاوي) نهاية مأساوية، وعلى أرض العراق أيضاً، وستكشف الأيام ان بعض الذين استخدموه بندقية للإيجار ساهموا في تثبيته في المربع الأخير حيث أطلقت عليه طائرة أميركية صاروخين موجهين عن بعد، فكانت نهايته أشلاء مبعثرة علق بعضها بظفائر نخيل قرية «هِبْهِبْ» العراقية التي غدت بشهرة كهوف «تورا بورا» في مناطق الحدود الافغانية ـ الباكستانية.

لم يتحول (أبو نضال) بعد مقتله الى أي مشكلة لأي جهة وأي دولة، وهو لم يكن إسطورة في حياته ولم يصبح إسطورة في مماته، وقد تبرَّأ حتى أهله منه ولذلك فإنهم لم ينعوه ولم يقيموا له أي مأتم، وبهذا فقد ذهب وعلى الفور الى مستودع النسيان ولم يعد يُذكر إلا في مجال التَّندر والقول إن مصير القاتل هو القتل ولو بعد حين.

وغير متوقع ان يتحول (أبو مصعب الزرقاوي) بعد مقتله الى أي مشكلة وبخاصة لبلده الأردن وذلك رغم ان بعض أعضاء البرلمان الأردني من جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي حاولوا ركوب موجة «الاستشهاد والجهاد» وحاولوا تحويله الى بطل أسطوري نكاية بالنظام الأردني الذي تحالفوا معه فحماهم أيام المد القومي وصراع المعسكرات والذي تخلوا عنه وناصبوه العداء عندما لم يصبحوا هم بحاجة إليه وتحالفوا مع غيره.

لا يُعرف عن (أبو مصعب الزرقاوي)، الذي ينتمي لقبيلة بدوية معروفة بالولاء المطلق للنظام الملكي وفي مختلف المراحل وكل العهود، أي تعاطف مع الإخوان المسلمين ولم يعرف عنه الانتماء السياسي لأي حزب أو جماعة سياسية، فهو مشروع قاتل منذ البداية وحتى النهاية، لكن ومع ذلك فقد حاول التيار الإسلامي في الأردن استغلال مناسبة قتله لإيجاد مساحة جديدة للاشتباك مع الدولة الأردنية التي يعتبرها منحازة الى جانب حركة «فتح» والسلطة الوطنية بالنسبة للصراع مع حركة «حماس» المحتدم في غزة والضفة الغربية.

لقد انتهى (أبو نضال) واصبح نسياً منسيا بمجرد إطلاق مخابرات صدام حسين الرصاص على رأسه، فلا تنظيم يطالب بدمه ولا أصدقاء ومعارف يذكرونه بالخير، والظاهرة القومية اليسارية التي كان يعتبر نفسه جزءاً منها تراجعت حتى حدود التلاشي، وبعض الدول العربية التي استأجرت بندقيته ذات يوم لتصفية حسابات مع معارضيها وأعدائها غيـَّرت اتجاه خط سيرها وغدت أقرب المقربين لدولة الاستكبار العالمي.. الولايات المتحدة.

لكن الواضح بالنسبة لـ (أبو مصعب الزرقاوي)، القاتل الذي تجاوزت جرائمه كل الحدود والذي أساء الى الإسلام أكثر من إساءة أعداء هذا الدين الحنيف إليه، أن هناك من يعتبره عمود «فسطاط» الممانعة والثورة، ولذلك فقد نعته حركة «حماس» واعتبرته بطلاً من أبطال الأمة الإسلامية!! ولذلك فقد زحف بعض نواب «الإخوان المسلمين» في البرلمان الأردني الى خيمة عزائه في مدينة الزرقاء ليذرفوا الدموع السخية عليه وليرتقوا به، بكلام يشبه الشعر، الى مستوى صلاح الدين وخالد بن الوليد وعمر المختار والعياذ بالله.

كان الإخوان المسلمون يبحثون عن سبب للتحرش بالدولة الأردنية، على خلفية قضية تهريب الأسلحة والمتفجرات الى داخل الأردن التي اتهمت بها حركة «حماس»، ولذلك فقد بادروا فوراً الى عقد لواء البيعة لـ (أبو مصعب الزرقاوي) بعد مقتله في «هِبْهِبْ» في العراق، لكن وكما هو واضح أن خطأهم هذه المرة كان أكبر من كل أخطائهم السابقة، فهذا الرجل غدا بعد مجزرة الفنادق الثلاثة في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي بالنسبة للأردنيين رمزاً للإجرام والدموية، فقد سفك دماء الأبرياء بدون وجه حق.

لم يكن التوفيق حليف الإخوان المسلمين هذه المرة، فهم خاضوا معركة مع الدولة الأردنية كانت منذ بدايتها خاسرة، فـ«أبو مصعب الزرقاوي» مثله مثل (أبو نضال) كان أهله قد تبرأوا منه وكانت عشيرته قد هدرت دمه، كما وكانت قبيلته قد طردته وتخلت عنه، وهو قاتل من أجل القتل، ولذلك فإن تغيير صورته البشعة واستبدالها بصورة جميلة لا يمكن إلا أن يكون محاولة فاشلة وبائسة.