صور فتاة غزة.. وصدمة الرأي العام

TT

رغم المشاهد المحزنة والعنيفة والتي تتسابق الشاشات على بثها من عدد من المناطق المأزومة بالحروب والانقسامات، تبقى صور الطفلة الفلسطينية هدى غالية، وهي تصرخ بأسى وحرقة «أبويا.. أبويا» على شاطئ غزة أمام جثث والدها وأشقائها بعد أن سقطوا جراء قصف اسرائيلي قبل حوالي الأسبوعين هي الأكثر تأثيراً وإيلاماً ربما..

أقول ربما لأنه في زمن تلفزيون الواقع، بالمعنى المأساوي للكلمة، بتنا عاجزين عن توقع ما يمكن أن تحمله لنا الأيام من صور ومشاهد حية لعذابات لم نتصور أننا سنراها على هذا النحو الصادم والبالغ.

ويبدو أن هذا النمط من البث الحي والواقعي بدأ يكرس موقعه في تغطيات الحروب والصراعات, بحيث باتت مشاهد الموت المباشر على الهواء على قساوتها ضرورة لحسم المسؤوليات وتوضيح ملابسات تتعلق بأكثر قضايانا تعقيدا وحساسية. وهذا ما تجلى في وعي المصور زكريا أبو هربيد الذي التقط صور هدى، وهو مدرك ضرورة أن ينقل هذه المشاهد إلى العالم رغم الألم النفسي الكبير الذي عاشه خلال تصوير تلك اللقطات. لقد جابت صور هدى، وهي مرتعبة وحزينة وباكية، شاشات العالم جاعلة من هذه الطفلة رمزاً عميق الدلالة لمعنى المأساة الفلسطينية.

صور «فتاة الشاطئ», على نحو ما أطلقت عليها الصحافة, قطعت الطريق أمام كثير من الحملات الدعائية للمؤسسة العسكرية الاسرائيلية التي تحاول كسب الرأي العام المحلي والعالمي بتبرير الكثير من الهجمات والاعتداءات بحق الفلسطينيين. فمحاولات الجيش الاسرائيلي نفي تورطه في قصف شاطئ غزة بدت حجة ضعيفة لم تستطع حتى الصحافة الاسرائيلية التسليم بها، بل علت أصوات تطالب بتحقيق مستقل يظهر حقيقة مسؤولية الجيش في هذه المأساة.

من الواضح أن صور شاطئ غزة كانت من القوة بحيث لا يمكن لأي تحقيق أن يتجاوزها. لكن البعض قد يرى أن هذه وقائع ضعيفة ويمكن استذكار أمثلة من نوع صور الطفل الفلسطيني محمد الدرة أو الكثير من الصور الوافدة يومياً من العراق والتي لم تصل التحقيقات فيها إلى نتيجة، وبالتالي تمت إحالة تلك الصور إلى الذاكرة وبات الموت عادة تآلفنا معها ومع نسيان وقائعها.

إنه جدل قائم لكنه لا يعني بالضرورة الاستسلام.

حين ارتكبت اسرائيل مجزرة قانا مودية بحياة أكثر من مئة مدني لبناني عام 1996 لم تقف حدود التغطية الصحافية الدولية عند الإدانة السريعة، فقد عمد الصحافي البريطاني المعروف روبرت فيسك إلى الاستقصاء عن الشركة الأميركية التي أنتجت القذائف التي استعملت في المجزرة، كما لاحق المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بشأن مسؤوليتها عن الجريمة. اليوم هناك محاولات مماثلة من قبل منظمات دولية ومن قبل صحافيين استقصائيين لملاحقة اسرائيل بشأن جريمة شاطئ غزة.

مرة جديدة لا يسعنا سوى التساؤل عن ضعف الدور الاستقصائي للصحافة والإعلام العربيين، إذ لا تكفي الإدانة التي تحملها المشاهد القوية للطفلة هدى. فصور المأساة تستدعي جدية ومثابرة في الملاحقة وإثبات المسؤوليات.

diana@ asharqalawsat.com